السبت، 18 فبراير 2012

حول راويـة اللعب فوق جبـال النوبـه و إدريس علي



كعادته في كل كتاباته و تصريحاته يبدو إدريس علي كمن يسبح عكس التيار، بالنسبه لي فالسباحه في عكس التيار وسط مجتمع راكد كالمجتمع المصري بطوله في حد ذاتها و لكن سباحة ادريس علي ليست ضد تيار الركود و الموات الثقافي و الفكري و التبعيه السياسيه بل هو يقف الي جانب هذا التيار و يزيد عليه بينما يسبح ضد تيار حقوق النوبين الثقافيه و الفكريه و الانسانيه ايضا.
يعتبر إدريس علي احد اشهر الشخصيات النوبيه  بالنسبه للمجتمع الثقافي المصري  فهو يعتبر احد الكتاب النوبين المعدودين و بطبيعة الحال فكونه شخصيه نوبيه معروفه و مهما كان مجال ابداعه و معرفته فعندما ياتي الحديث عن القضيه النوبيه يصبح محط انظار العديدين ،وهنا تكمن المشكله فهو رحمة الله عليه معروف بتصريحاته التي تسبح ضد مطالب النوبين و حقوقهم فقبل وفاته بفتره قليله طلب في احدي تصريحاته من النوبين ان يقبلوا بخطة الحكومه بإعادتهم الي وادي كركر و رغم ان هذا ليس موضوع مقالتي هنا و لكن يكفي ان نعرف ان عملية توطين النوبين في وادي كركر ليست سوي تصفيه لقضيتنا و لحقنا في العوده الي اراضينا التاريخيه حول بحيرة ناصر و التي تسعي الحكومه المصريه جاهده من اجل بيعها لمستثمرين عرب و اجانب.
نعود الان الي روايتنا "اللعب فوق جبال النوبه" صدرت عام 2002 و كما في رواياته الاخري يبدو النوبين قوم بدائين جهله يعيشون في القرون الوسطي متخلفين بينما يبدو ابناء الشمال او المصريين"الجورباتيه" كما لو كانوا بناة الحضاره و دعاة الحداثـه و تزداد الامور مراره عندما ندرك ان اغلب المثقفين المصريين اذ ارادو المعرفه عن النوبه فإن الكاتب رقم 1 تقريبا بالنسبه لاغلبهم هو إدريس علي بكل ماتحمل رواياته من تشويه للنوبه و للنوبين...
تحكي الروايه عن الفتاه البيضاء"غاده" التي ينفيها والدها النوبي من القاهره الي بلدته النوبيه في الجنوب"مالتي_ف الاغلب المقصود قرية الكاتب نفسه قرشه و التي يسميها البعض كيشي مالتي" يتم نفي الفتاه جنوبا بسبب وقوعها في حب ابن الجيران و الذي رفضه والدها لانه ليس نوبيا لتقوم بتربيتها جدتها"شايه"، وهناك في مالتي تصطدم الفتاه البيضا بالوجوه السودا و الحر و الذباب و التقاليد التي ترسخت عبر الاف السنين فهي عند وصولها بالمركب ترفض جدتها ان تدعها تركب الحمار مع الولد الصغير الذ يقوم بتوصيلهم و هو بطل الروايه بداعي ان التقاليد لاتسمح للحريم بركوب الحمير و هكذا يدور الصراع علي طول الروايه بين رمز الحداثه"غاده" القادمه من الشمال و بين الجده الشايه النوبيه التي تمثل هنا كل القاليد و العادات الباليه حسب راي الكاتب، الي جانب غاده و في صفها في المعركه يقف اطفال القريه البنات التي تعلمهن غاده القراءه  والكتابه عن طريق الاغاني و الرقص البلدي و الاطفال هنا هم رمزيه المستقبل المتحرر من التقاليد و العادات الباليه رمز الغد المبني علي الافكار و العادات المستورده من الشمال و ايضا يقف الي جانبها الجـد الذي "قضي نصف قرن في مدن الشمال و عمل في اماكن راقيه و يجيد عامية الشمال كأهلها" هكذا يصفه الكاتب و كأن مثلا الحداثه هي لهجة الشمالين و مخالطتهم.
منذ البدايه و حتي النهايه يستمر الكاتب في اتهاماته للنوبين بالجهل و التخلف و الرجعيه من خلال الصدامات بين غاده و جدتها حتي تنتهي الروايه بعد اختفاء غاده بشكل غامض وهو هزيمة الحداثه و انتصار التخلف كما يقصد الكاتب ،نري مشهد الجـد و هو يصرخ في ابنته و حفيدته و البنات في فرح حفيدته ان يتوقفوا عن الغناء النوبي و الرقص النوبي و ان يرقصوا و يغنوا مثل غاده.....يصرخ في البنات ان يفكوا ضفائرهن المتسخه "اريد مشاهدتك بلا ضفائر....مثل غاده" هكذا يقول الجد لحفيدته ليلة فرحها و بعد ذلك يقتحم غرفة الحريم و يصرخ في حفيدته"هيا ياعائشه....تحزمي و ارقصي مثل غاده"
 و يتحزم بنفسه و يرقص و يغني بلدي كمان و هكذا يصبح الرقص و الغناء النوبي الذي ياتي له السياح و الباحثون و محبي الموسيقي و الفنون الشعبيه من اقصي العالم الي اقصاه فن قديم  وبالي حسب الكاتب و تصبح الحداثه هي في الرقص البلدي الشعبي و الغناء عن الحشيش و غيره فغاده و من بعدها الجد يغنون اغنية عن الحشيش:اعملوا معروف....سبيوا الحشيش...دا ملك الملوك....ياحكام بلدنا.
لااستيطع ان اعلق علي المستوي الادبي للروايه فانا لست ناقدا و لا اديبا حتي  ولكن يمكن القول ان الراويه ليست قويه ادبيا فعدا اسلوب السرد الذي برع الكاتب في استخدامه تمتلئ الروايه بعشرات السقطات في التسلسل الزمني فالحكايه احيانا تدور بعد تهجير الخزان كما يخبرنا الكاتب في الصفحات الاولي من راويته عن الحياه في الجبال وسط الذئاب هربا من مياه الخزان و فجاه يحكي عن حكومة محمد نجيب و احيانا عن عبد الناصرو النكسه و عندما يحكي لنا عن قصة غاده فهو يخبرنا ان الجار الذي احبته غاده و بعد تعرضه للتعذيب و التنكيل به من معارف والدها الذي يعملون في جهاز امني يهاجر الي السعوديه و ينضم الي الجماعات الاسلاميه و يمارس اعمال ارهابيه و لايستطيع الكاتب ان يدرك ان الهجره للخليج او حتي الفكر العنيف للجماعات الاسلاميه لم يبدا الا في اواخر السبعينات....تبدو مجموعه من المشاهد الجنسيه كما لو تم اقحهامها لاغراض محدده في الاحداث فمشهد غاده و هي تضع راس الولد بطل القصه علي حجرها ثم تلعب براسه بين قدميها من اجل ارضاء شهوتها ثم محاولتها تعليمه الجنس و التقبيل يبدو غير منطقي و كأن الغرض منه تمكين الجده من غاده في السرد فقط...و ايضا منظر غاده و الولد الصغير وهم يهربون في الجبال من الذئاب و يخلعون ملابسهم و يشعلونها ثم يدخلون قريه نوبيه اخري عراه تماما لاداعي له علي الاطلاق سوي حالة مراهقه متأخره.
تبدو حالة إدريس علي مركبه في  راوياته و تصريحاته فهو بيدو كما لو كان مصابا بعقدة الشمال كارها لبني جلدته و اهله من النوبين يحتقرهم و يرفض ثقافتهم_تلك الثقافه التي قاومت و صمدت و تطورت عبر الاف السنين و واجهت كل محاولات طمسها و ستبقي صامده ضد العولمه الثقافيه و محاولات التعريب و التذويب......

السبت، 28 يناير 2012

النوبــه عام من الثــوره


في السنوات الاخيره لحكم مبارك و بالتحديد من 2005"مع القاء حجاج أدول لكلمته التاريخيه في مؤتمر واشنطن" تصاعدت الاحتجاجات النوبيه يوما بعد يوم و تكونت الحركات و اللجان و اصبحت مطالب النوبين علي أجندات الاحزاب و القوي السياسيه المختلفه من اقصي اليسار الي اقصي اليمين و ترددت أسماء مجموعه من الناشطين النوبين عبر وسائل الاعلام المختلفه تتحدث عن القضيه و عن النوبين من أسوان الي القاهره و الاسكندريه_ تباينت مواقف المجموعات و الحركات النوبيه المختلفه من النظام الحاكم فمنهم من وقف كتابعا مخلصا للحزب الوطني ومنهم من عارض علي استحياء فراينا البعض"دون ذكر اسماء" ينددون بسياسات حكومة نظيف بينما يوجهون رسائل بإسم النوبين "لفخامة الرئيس" و في السنوات الاخيره و بالتحديد بدءا من 2008 ظهرت حركات شبابيه نوبيه معارض كلية لنظام مبارك و الحزب الوطني و تنادي بالديمقراطيه و الدوله المدنيه فمثلا كان "إتحاد شباب النوبه الديمقراطي" من اول الكيانات التي انضمت للجمعيه الوطنيه للتغير برئاسة البرادعي في فبراير 2010 و تقريبا الكيان النوبي الوحيد قبل الثوره الذي فعل هذا و عارض بصراحه مبارك و نظامه.
لايمكن الحديث عن دور محدد للنوبين في ثورة يناير كنوبين اي بشكل منظم كجماعه محدده و لكن يمكن الحديث عن بطولات الشباب النوبي الذي ناضل كشباب مصري اصيل"مفندا كل ادعاءات النظام حول الانفصال" ناضل كجزء اصيل من هذه الارض و قد سقط 7 شهداء من الشباب النوبي في يناير  و عشرات المصابين و المعتقلون ايضا في كل محافظه تواجد بها نوبين من اسوان للقاهره لاسكندريه لبوسعيد و السويس و لا يمكن ان ننسي ايضا مسيرة النوبين لميدان التحرير في جمعة الخلاص 11 فبراير "جمعة تنحي مبارك"
لم تختلف مطالبنا كنوبين عن مطالب باقي ابناء الشعب المصري"عيش حريـه عداله اجتماعيه" لذا ففي الايام الاولي بعد تنحي مبـارك رفض النوبين التظاهر او الإعتصام من اجل مطالب خاصه و لكن سرعان ماتغيرت الاحوال و بدا الشباب النوبي في المشاركه في الاعتصامات و المظاهرات و تكونت الحركات الشبابيه النوبيه المختلفه و التي طرحت رؤي حلولا و رؤي مختلفه للقضيه النوبيه و دعت للاعتصامات و الاحتجاجات المختلفه فالحركه التي بدأت في اول شهر ابريل مطالبه بإستعاده دائرة نصر النوبه و التي كان النظام قد استحوذ عليها في التمانينات لصالح احد محاسيبه في الدلتا و دعت للتظاهر امام مبني رياسة الوزرا في القاهره و انتهت المظاهره بمقابله مع رئيس الوزراء في حينها عصام شـرف و الذي وعد بعودة الدائرة للنوبين ثم اتضح كذب هذا الاتفاق.
ثم تظاهر الشباب النوبي مره تلو اخري..مره من اجل العوده الي ارض البحيره ارضنا التاريخيه و انتهت بمقابله اخري مع رئيس الوزراء و وعد بتنفيذ مطلب النوبين و امر بتشكيل لجنه لاعادة توطين النوبين حول البحيره و لكن اتضح انها اكاذيب مره اخري، ثم تظاهر الشباب مره اخري ضد الداخليه بعد مقتل مراكبي نوبي علي يد امين شرطه في عيد الاضحي في أسوان .
هناك نقله نوعيه في المعارك التي خاضها النوبين ضد النظام فبعد تنحي مبارك مباشرة استولي مجموعه من الشباب علي ارض زكريا عزمي في وادي النقره و التي تبلغ حوالي 40 الف فـدان و مره اخري عندما تجمعت مجموعه شبابيه في ديسمبر 2011 و اتجهوا الي البحيره مباشرة من اجل استعادة ارضنا التاريخيه.
و علي التوازي مع الحراك الشبابي ضد النظام العسكري القائم سارت معارك الشباب داخل المجتمع النوبي ذاته ضد رجالات النظام القديم داخل الجمعيات و النوادي النوبيه و تعتبر هذه المعركه هي الاصعب فالعلاقات العائليه و القبليه تلعب دورا كبيرا في تحطيم الحراك الثوري و الشبابي و لكن يبزغ الامل من خلال تكوين روابط شبابيه في كل جمعيه و العمل المشترك بين تلك الروابط و تكوين اتحادات و ائتلافات تجمع شباب القري في نصر النوبه تناضل مباشرة من اجل الحقوق و المطالب النوبيه بعيدا عن تسلط رجال النظام القديم داخل مجتمعنا النوبي و الذي استمر لعقـود.

الخميس، 26 يناير 2012

بلاك تيما - حـر+ كلمات الاغنيه





حر أني أعشق بلادي , واللي هايفكر يعادي , أتزرع لة في حلقة مر .. وأبقى حر
حر أني أسرح بكيفي , حر أني أختار وليفي , من حياتي أهرب أفر .. برضو حر

Wayeh Wayeh, Wayeh Wayeh, Hengy Wayeh

حر في أستيلات هدومي , وف ديانتي ووقت نومي , من ملامحي أزهق أمل .. أصلي حر
حر أني أعيش طفولتي , حر أني أكرة حكومتي , أني أعيش في الدنيا اّفن .. يعني حر

Wayeh Wayeh, Wayeh Wayeh, Hengy Wayeh

غاوي أني أعيش مسالم , واللي مرة يزوم يلاوع , أتقلب وعليه اّشر ..
حر أني أقلع روتيني , أني البس توب جنوني , أني أجدد لما اّمل ..

مش هكون ترس في اّلة , مش هعيش إنسان كمالة , وحدي لازم أكون مهم .. يعني حر
حر أني أكتم همومي , جوا منا وأسمحولي , أبقي وحدي لما اّن .. وابكي حر

ميننيجـوا......اغنيه عن معاناة النوبين من التهجير


 منيجوا تر جم سد وو اسوان فاوروى كوتّامنجوكوجا .. نوبه فكندير تاليكا اشر ويلا فولوكّا جوروى ايجا دينتشوكوجا 



كم بانجيسن سد جونجو اركونا منّوج كيندروسوكوجا .. اركون يولا شربافوجرو سوكا ناى بابور اوديتّشوكوجا
باجدون سد كالّاكن كومامبوا ايجنم بلد ويلايتشا دتشوكوجا .. قطرلوجو بجدون خشم الجربه لاكى تانشكتشّوكوجا
جيل جيلاتون او لاجسين اركون دورو تاوو فرّا جلبوبروسوكّوجا .. اون تالاتون فاشّون نهار الشوم لاتون بال بالكتّشوكّوجا



او دونيا نوجسن كيلاتون اى فيلوجو ورويدا ناجوكّوجا .. سونتج صبالتو كيتّشا باينانجر ورويلاتون اوو بايروجوكّوجا !
ويرويكا ويلن ناشويجمن نناجارا ويلا اوسكيروجوكوجا .. نور نوى جون او توميم جمورونا نابى كاذادنتشوكوجا





نقول ايه .. جم وقعدوا يقولولنا هنبنى سد فى اسوان .. وعشان كده النوبه هتتغرق بس هنوديكو فى بلد احلى واحسن منها ... وبمسافه مبنو السد بلدنا اتغرقت فى غمضه عين ... قالو هيودونا بلد كده تسمى كومامبوا ولمنونا بالقطارات وودونا .. جيل بعد جيل بعد مكنا قاعدين فى بلدنا جم قلبو البلد عليها واطيها دحنا يوم مطلعنا منها كان يوم اسود علينا ... بعد مكنا قاعدين سوا وعايشين سوا قام فرقوا مبينا وبعدونا اكنهم بيقصوا صفر من صباع ( هنا الكلام لنوبى السودان) ومودناش فى حته واحده ... نقول ايه بس

الاثنين، 23 يناير 2012

انا نوبي مصري نازل يوم 25 يناير


صفحة الدعوه علي الفيس بوك اضغظ علي الصوره


انا نوبي مصري و نازل يوم 25 يناير
حمله اطلقها مجموعه من الشباب النوبي علي الفيس بوك للدعوه للمشاركه ليوم 25 يناير 2012 في ميدان التحرير و كل ميادين الثوره من الاسكندريه للسويس و اسماعليه و اسوان
يسقط يسقط حكم العسكـــر
...............
نـص الدعـــوه...
موعدنا يوم 25 يناير 2012 انزل يا نوبي علشان حق شهدائنا وعلشان مفيش تغيير ومحكمة الفاسدين وسرعة تسليم السلطة لرئيس مدني أو رئيس مجلس الشعب

وباسوان أقالة محافظ أسوان مصطفي السيد ومدير الامن وعودة الحق النوبي في 44 قرية علي ضفاف النيل

موعدنا يوم 25 يناير تجمع النوبيين 

بميدان التحرير تحت النادي النوبي العام ---القاهرة
بالقائد ابراهيم عند المسجد----------------الاسكندريه
بميدان المحطه ------------------------------اسوان
بميدان الشهداء (الأربعين)------------------السويس
بميدان الممر --------------------------------الاسماعيلية


لا للتخريب.....نعم للتعبير السلمي
سلمية ......................سلميه

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

بيان إتحاد شباب النوبة الديمقراطى بخصوص إعتصام محافظة أسوان

لطالما أكد إتحاد شباب النوبة الديمقراطى فى بيانة التأسيسى وبياناتة اللاحقة على الحقوق النوبية وعن دعمة لأى تحرك يضمن تحقيق هذة المطالب شعبيا كان أم رسميا وقد كنا أيدنا مطالب إعتصام النوبيين يوم الرابع من سبتمبر وما زلنا نؤكد على وجوب إعتراف الدولة ممثلة فى الحكومة الإنتقالية بالحق التاريخى للنوبيين فى العودة إلى قراهم كاملة على ضفاف بحيرة النوبة مع البدء فى تفعيل والتخطيط لهذا الحق كأولوية قصوى من أولويات الحكومة والرئيس القادم.

.. ولكن ما حدث هناك كان مهزلة بكل ما تحملة الكلمة من معنى وأيضا وضح أن الحكومة دورها ضعيف و غير مقبول على الإطلاق  .. نؤكد أن  لكل المواطنين المصريين حق التظاهر والإعتصام أينما شائوا ووقتما شائوا وهذا حق دستورى ودولى تكفلة مواثيق الأمم المتحدة وليس لقوات الأمن أو الحكومة أو حتى المجلس العسكرى الحق فى فض هذا الإعتصام أيا كانت مطالبة .
ونؤكد أن تصعيد الموقف جاء كرد فعل طبيعى من محاولات قوات الأمن المستمرة فى الإعتداء على المعتصمين السلميين ومحاولة فض إعتصامهم بقوة غير مبررة ومحاولات إزالة الخيام وإجلاء المعتصمين منذ الليلة السابقة للإعتصام وأيضا تردد أنباء لم يتسنى لنا التأكد من صحتها بعد عن إعتقال إثنين من المعتصمين .. نحن كإتحاد نرفض وبشدة ماحدث ونحمل الحكومة والمجلس العسكرى المسئولية كاملة عن التصعيد .
أما فيما يخص مطالب الإعتصام .. فهى حقوق مشروعة وليست مجرد مطالب نكرر حقوق غير قابلة للتفاوض أو التنازل ولا يحق لأحد المفاوضة عليها ولا حتى المجلس العسكرى .. لقد صمت النوبيون وتحملوا كثيرا من الظلم والتعنت والتهجيرات والتهميش والعنصرية الممنهجة من حكومات مصر جميعها منذ عهد الملك فؤاد الأول وحتى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك ولن يصمتوا بعد الآن أبدا وليس بعد مهزلة كذب الحكومة وخداعها وتخبطها فيما يخص فصل دائرة نصر النوبة شيئ يسكت عنه .. أصدرت الحكومة قبل عدة أشهر قرارا بفصل الدائرة عن دائرة كوم أمبو ولكننا فوجئنا أمس عندما نشر تقسيم الدوائر الإنتخابية بأن الدائرة لم تفصل .. أى مراوغة هذة ونؤكد أننا لسنا أطفالا حتى يتم اللعب بعقولنا .
ونحن فى هذا البيان نؤكد على الحقوق النوبية التى ليس فيها تفاوض وأهمها ثلاثة بنود قد تتفرع أو تزيد :

1- حق عودة 44 قرية نوبية بكامل مرافقهم ومدارسهم ومستشفياتهم من خلال خطة تنموية شاملة مرحلية ومدروسة لمنطقة بحيرة النوبة .
2- إقالة محافظ أسوان فورا .
3- فصل دائرة نصر النوبة عن دائرة كوم أمبو كسابق عهدها قبل فترة الرئيس السابق أنور السادات .
4- إعادة صياغة المناهج الدراسية المصرية بحيث تتضمن الحضارة والتاريخ النوبى كجزء لا يتجزاء من تاريخ مصر .

وأخيرا نريد أن نؤكد أن مهمة الحكومة الاولي هى إرساء قواعد لبناء دولة جديدة و ذلك يتطلب منها اعادة صياغة الاوضاع و تشكيل عقد اجتماعي جديد

.. عاشت مصر حرة ..
 المجد والخلود لشهداء ثورتنا المجيدة 
وكل شهداء الحرية فى أى مكان فى الأرض ...

الخميس، 30 يونيو 2011

خليل قاسم كاتب "الشمندورة" المظلوم حيا وميتا.


التحقيق منشور فى جريدة البديل بتاريخ 21 أكتوبر 2007
وحصل على المركز الثانى فى مسابقة نقابة الصحفيين فرع الصحافة الثقافية هذا العام
..............................


قصة أول رواية نوبية فى الأدب العربى..
خليل قاسم كاتب "الشمندورة" المظلوم حيا وميتا.
تحقيق/ سمر نور

قبل أيام نشرت الزميلة "أخبار الأدب" تحقيقا حول الروايات المظلومة فى الأدب العربى، كانت "الشمندورة" للكاتب النوبى محمد خليل قاسم على رأس هذه الروايات، ولا يعلم الكثيرون أن قاسم كتب هذه الرواية فى أوائل ستينات القرن الماضى داخل معتقل الواحات.. حيث قضى أكثر من خمسة عشر عاما من عمره بين السجون والمعتقلات مدافعا عن انتمائه لفصائل "اليسار المصرى"، وقتها كان قاسم يجلس بعيدا عن أرض النوبة آلاف الأميال، ليكتب بأقلام "كوببه" على "ورق بفره" عن البلاد التى عاش فيها طفلا وغادرها صبيا.
فى "الشمندورة" يرصد الطفل (حامد)/ الراوى تفاصيل قرية نوبية ومعاناة أهلها أثناء بناء خزان أسوان، ورسم قاسم بعيون هذا الطفل شخصيات غاية فى العمق الانسانى، تناضل من أجل استمرار الحياة فى وجه الطبيعة والظلم والاستعمار، الغريب أن هذه الرواية-رغم طزاجة موضوعها وقيمتها الفنية- لم تلق ما تستحقه من دراسة ونقد وترجمة وتواجد، كما لم يلق صاحبها ما يوازى دأبه ونضاله وموهبته وحلمه.
هنا اضاءة تقدمها "البديل" حول هذه الرواية وكاتبها، على أمل أن تلفت انتباه مؤسساتنا الثقافية لأهميتها، لتنصف كاتبها وترفع الظلم الذى وجده حيا وميتا.
....................................
تتلاقى حياة الطفل الراوى فى "الشمندورة" مع طفولة محمد خليل قاسم فى الكثير من الجوانب، ولد قاسم فى منتصف شهر يوليو عام 1922 وعاش طفولته بإحدى قرى النوبة القديمة معاصرا لمرحلة مصيرية فى حياة أهالى النوبة، كما كان الراوى/ الطفل حامد فى الشمندورة.. وفى مقدمة الطبعة الثانية من الرواية يحكى د. رفعت السعيد عن طفولة قاسم رفيقه فى المعتقل، واصفا جلسة القرفصاء الذى اعتاد قاسم أن يجلسها وهو يحكى عن طفولته وصباه ( الأب تاجر صغير فى قرية قته، وتجار الفقراء هم أيضا فقراء، فزبائنه لا يملكون نقودا، فمن أين تأتى النقود إلى قرية نوبية) يتساءل السعيد قبل أن يصف مناخ تلك السنوات الذى يسوده القلق والتوجس من بناء خزان أسوان، والأحاديث المتداولة عن التعويضات المجحفة والأراضى التى سيغرقها الطوفان.
فى مرحلة أخرى بدأ الطفل (محمد) يساعد والده فى العمل ويتأمل الأوضاع القائمة ويختزن حكاياته.. يحكيها أقرب أصدقائه سيد اسحاق مما سمعه على لسان صاحب الشمندورة (النوبيون جميعا كانوا من طبقة فقيرة فبلاد النوبة هى الأرض الوحيدة فى مصر التى لم يكن بها يوما إقطاع.. كان والده مصرا على إدخاله الأزهر باعتباره الطريق الأكثر ضمانا بالنسبه لأبناء القرى، وكان محمد مصرا على التعليم المدنى)، لهذا السبب التحق قاسم بمدرسة قرية عنيبة الداخلية وحصل منها على الابتدائية ثم التحق بمدرسة أسوان الثانوية، وهناك شارك لأول مرة فى مظاهرات ضد الانجليز وكان لديه تعاطف مع الوفد.. ومن هناك إلى الأقصر حيث عاش مع أخته الصغرى وامتحن الثقافة العامة فى قنا، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية سافر إلى القاهرة، ليواصل حلمه الذى بدأ من قريته الصغيرة وانتهى إلى العاصمة.. استكمال دراسة الشهادة التوجيهية والالتحاق بجامعة القاهرة(فؤاد الأول آنذاك) .
لم يكن قاسم يعرف أن الحلم سيتبدل ويتجاوز أسوار الجامعة كما تجاوز من قبل أسوار القرية.. ولم يكن يعلم أنه سيعيش فى معتقلات المدينة وسجونها أكثر مما عاش فى بيوتها وشوارعها!مصر الأخرى
بدأ قاسم مشواره فى العاصمة من حى مصر الجديدة.. وبالتحديد عزبة البستان التى يصفها فى مذكراته بعد خروجه من المعتقل قائلا: (استقبلونى فى كل بيت بالترحاب ثم تجولت قليلا فى شوارع مصر الجديدة.. فى شارع معين بالذات.. شارع الذكريات.. وأى شارع وأى طريق فى مصر الجديدة لا يثير الذكريات.. هنا كنا نتواعد ونتوقف.. نشترى الخضار.. ومن هنا كنت اشترى الورد"لها"...... كم مرت فيك يا مصر الجديدة من ذكريات.. وحسبنا من هذه الكلمة.. أنها مزيج من العذاب والسعادة.. سعادة لا تترك بعض أجزائها إلا مشقة فى القلب)، بدأ محمد خليل قاسم حياته فى هذا المكان.. حيث تجمع النوبيون الذين هاجروا إلى القاهرة للعمل أو التعليم أو هربا من الفيضان والتهجير إلى أراضى لا تشبه أراضيهم القديمة.. من هناك بدأ المعارك النضالية والجامعة والمظاهرات والاعتقالات والحب، التحق بمدرسة القبة الثانوية فى السنة الخامسة قسم أدبى ثم بكلية الحقوق جامعة عين شمس، وبدأ يقرأ الكتب السياسية والأدبية.. وبدأت مع قراءاته رحلة البحث بين النظريات والمذاهب المختلفة.
عاشت القاهرة فى أربعينيات القرن العشرين حالة من الزخم السياسى، لا يمكن أن تترك شابا مثل محمد خليل قاسم، دون أن يدخل معتركها ويخوض خبراتها.. قبل أن يختار طريقه ومنهجه.
مكان آخر شكل وجدان وعقلية محمد خليل قاسم، هذا المكان هو شارع إبراهيم باشا حيث مقر النادى النوبى العام آنذاك.. عن هذه الفترة يقول د. رفعت السعيد فى مقدمة الطبعة الثانية من رواية الشمندورة (كان الفتى قد انغمس هو وصديق صباه زكى مراد وسط أندية النوبيين المنتشرة فى أرجاء القاهرة الفقيرة، واستطاعا أن يجعلا منها مسرحا لأنشطة ثقافية وفكرية وأدبية وسياسية متألقة، بعد أن كانت جدرانا جافة لا تستقبل إلا المأتم والأفراح النوبية، وامتلأ الوجدان بصخب الفعل السياسى وضجيج الأداء الثقافى والفكرى المتميز.. هناك كان شيوعى متوهج، لا يكف عن الحركة وعيناه اليقظتان قادرتان على التقاط كل من يحملون قلبا يخفق بحب الفقراء، والتقى بهذا الشيوعى المتوقد حماسا "عبده دهب" واصبح أيضا شيوعيا..)
يحكى سيد أسحاق عن تلك الفترة قائلا: (تعرف على مجموعة النوبيين اليساريين فى نادى النوبة العام.. والذى لعب دور فى إدخاله هو وغيره فى الحركة السياسية هو عبده دهب النوبى السودانى الذى كان يعمل فى النادى الايطالى حيث تعرف على يساريين إيطاليين ، وبدأ ينشر هذا الفكر بين النوبيين فى القاهرة والاسكندرية)..
بعد فترة من القلق الفكرى قرر قاسم ترك دراسة الحقوق والتحق بكلية الآداب لارضاء الشاعر بداخله.. وكتب قصائد ثورية عامى 46،47 لكنه ترك الدراسة والشعر وانخرط فى الأحزاب اليسارية فى مواجهة الاستعمار الانجليزى، وفى عام 1947 خاض معركة جديدة ضد الحركات الانفصالية التى كانت تدعو لانفصال النوبة عن مصر، وانضم للحركة المصرية للتحرر الوطنى وكان من أشهر كوادرها.. وتبنى من خلالها دعوة لأن تخوض مصر والسودان "الكفاح المشترك ضد العدو المشترك" ممثلا فى قوى الاستعمار.. وانتهت هذه المرحلة من نضاله بمحاكمته عسكريا عام 1948 ليظل فى السجن حتى عام 1953.
مع خروجه من السجن بدأت مرحلة أخرى من العمل، بعد ثورة يوليو، فبالأمس كان الجميع ضد الاستعمار.. وكان هناك تعاون بين الضباط الأحرار والحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى (حدتو) والتى انتمى إليها قاسم، حتى أن بيانات الضباط خرجت من مطابع حدتو.، وبعد الثورة حدث هذا الانقلاب ضد الشيوعيين والأخوان المسلمين معا، وواجه الضباط الأحرار كافة التيارات السياسية بقبضة من حديد، فى هذه الفترة أصبح قاسم مطاردا من جديد كقيادى فى حركة (حدتو) وظل يهرب من مخبأ لآخر، وقد استضافه الكاتب الكبير يوسف إدريس بعض الوقت فى بيته.. كل هذا لم يمنع اعتقاله حيث قضى عقوبة السجن لمدة عشر سنوات فى السجن الحربى فيما سمى بقضية 64 عام 1954، ثم إلى سجن المحاريق بالواحات الخارجة حيث حشد فيها أعضاء تنظيم (حدتو) عام 1959 ومن بينهم محمد خليل قاسم.. ثم اجتمع شمل كافة التنظيمات الشيوعية والمتعاطفين معها فى أعوام 1960، 1961، 1962 داخل سجن الواحات هذا السجن الذى لم يغادره قاسم إلا عام 1964، وهو نفسه الذى شهد انجاز رواية (الشمندورة).
يقول د. رفعت السعيد عن علاقة قاسم بالمعتقلين (اكتشفت أن لغتى العربية ركيكة، نصحنى أن أقرأ وأن أحفظ الشعر، وقرأنا معا دواوين عديدة وحفظنا قصائد طويلة، قرأ معى القرآن مرات، ثم اكتشف أن حصيلتى من الانجليزية محدودة، جلس معى ساعات طويلة نقرأ ويصحح بلا ملل... باختصار كان رجلا يجيد صناعة الكوادر....)
.........................................................................
الخالة عيشه ابنة الناظر
يشهد رفاق (قاسم) أنه كان على علاقة طيبة بجميع الاتجاهات والفصائل داخل المعتقل، ولكن المثير للانتباه هو علاقته بسجانيه كما يرويها الكاتب الكبير صلاح حافظ فى ملف أدب ونقد –العدد 48 يوليو 1989 فكتب (تصادف يوم وصولنا المعتقل صدور قرار يقضى بفصل أى موظف فى الدولة لا يعرف القراءة والكتابة، وكان تسعون فى المائة من السجانين الذين يحرسوننا من هذا الطراز..) وهؤلاء كان يجب ان يتعلموا فى ثلاثة أشهر فقط قبل سحب طاقم السجانين واستبدالهم، وبالفعل قام المعتقلين بمحو أمية سجانيهم واشتهر الأمر فى كافة المعتقلات، حتى أن السجانين كانوا يطلبوا نقلهم إلى معتقل الواحات من أجل الحصول على دروس محو الأمية، وفى هذه التجربة المثيرة كان محمد خليل قاسم هو (ناظر) هذه المدرسة كما لقبه السجانون.
يكمل صلاح حافظ (الكراريس والأقلام كان السجانون يحملونها معهم يوم ترحيلهم إلى معتقلنا.. والسبورات صنعناها من أخشاب الصناديق القديمة، والمعلمون كانوا منا، وجدول الحصص ونظام المدرسة تولاه الراحل النوبى محمد خليل قاسم.. صاحب رواية الشمندورة التى لم يعترف بها الوسط الأدبى فى مصر إلا بعد وفاته.) وكان السجانون يتلقون شهادات محو أمية فى احتفال يلقى فيه حضرة الناظر-المعتقل كلمة، لينقذ المعتقلون سجانيهم المساكين من الطرد من عملهم ومن الجهل معا!
ويحكى رفيقه سيد أسحاق عن المرحلة نفسها قائلا: (كان قاسم منظرا سياسيا فذا، أفكاره السياسية والفكرية سباقة، وفى نفس الوقت كان متواضعا جدا وكان يعطى أكثر من أى شخص.. قاسم كتب بحث عن القومية العربية ولم أقرا مثل تحليله وربطه القومية العربية بجانب اللغة والاقتصاد والدين، واعتبر القرآن كسمة أساسية للقومية، وهذه الكتابات دفنت فى المعتقل وربما تعلم منه محمد عماره الذى كان متخصص فى هذا الوقت فى مجال القومية العربية قبل أن تتبدل اتجاهاته السياسية ، وترجم كتب عن النظريات والفلسفة ومعظم هذه الكتابات سلمت لدار الثقافة ولم تظهر.. كما ترجم عن تاريخ تطور المجتمعات والقوانين الأساسية للاقتصاد الرأسمالى مع بعض رفاقه فى السجن، وأيضا كتاب حركة التحرر "شرق أفريقيا" ).. وتوج كتاباته بأعمال أدبية فأصدر الديوان الأول تحت عنوان (قصائد مصرية) مع زكى مراد وكمال عبد الحليم ومحمود توفيق ومعين بسيسو.. وديوان (سرب البلشون .. مجموعة من الشعراء النوبين بالمشاركة مع الشعراء محمود شندى وذكى مراد وعبد الله طه وعبد الدايم طه وإبراهيم شعراوى.. وكانت مجموعته القصصية الأولى بعنوان (الخالة عيشه)، ونشرتها دار الثقافة الجديدة فى الستينات بعد روايته الوحيدة (الشمندورة).
ويضيف سيد أسحاق (جمع قاسم جميع النوبيين الموجودين فى المعتقل، وكانوا حوالى عشرين نوبيا منهم زكى مبارك ونور سليمان ومحمد شريف وسيف صادق وغيرهم.. كان مسئول سياسى ومضحى من الناحية الانسانية، يتنازل عن القليل الذى يملكه لغيره، وحين أخذ قرار بناء السد العالى أجتمعنا فى سجن الواحات وعملنا دراسة بكافة البنود الأساسية للموضوع.. من مكان السد العالى وخطورة الرؤية المستقبلية وأوردنا ان هناك خطورة استرتيجية فى نزع هذه المنطقة فيمكن أن يحدث أى نوع من الاعتداء والاستيلاء من الجنوب، يمكن أن يأتى استعمار للسودان أو حكومة أخرى معادية لمصر، أى أنه من الناحية العسكرية والاجتماعية لابد من اعادة النظر فى كيفية تهجير النوبيين، وقلنا يمكن أختيار ثلاث مناطق لن تغرق، واستيعاب كل النوبيين فيها وتعميرها صناعيا وزراعيا بدلا من التهجير.. لم ينشر أحد بياننا فى الجرائد المصرية إلا أحمد بهاء الدين..) وكما هى العادة، لم تستمع الحكومة المصرية لنداءات المعتقلين السياسيين بالطبع، كان محمد خليل قاسم آنذاك قد بدأ كتابة الشمندورة، وربما كان لبناء السد العالى آثره فى استدعاء طفولته التى عاشها فى قريته النوبية أثناء بناء خزان أسوان..
الأديب يحى مختار أكد لنا أنه عرف الكثير من تفاصيل تلك المرحلة من لسان خليل قاسم شخصيا، وروى له حكاية تلك الرحلة التى نظمتها له مباحث أمن الدولة فى شوارع القاهرة قبل كتابة الشمندورة، دخل قاسم ميدان التحرير فوجد تغيرات حادة فى كل تفاصيله.. بعد أن كان أشبه بصحراء لا يوجد بها سوى مبنى وزارة الخارجية والمتحف المصرى ومبان على الطراز الإيطالى... قبل أن يصبح ميدانا مكتظا بالناس بعد بناء مجمع التحرير..
كان الهدف كما يقول مختار إشعاره بسنوات عمره التى مرت عليه وهو قيد الاعتقال، الغريب إنهم نقلوه بعد ذلك إلى مباحث أمن الدولة وطالبوه بالتوقيع على استنكار لكل أرائه السياسية حتى يحصل على العفو، وشأن مناضلين آخرين رفض قاسم كتابة "الاستنكار" فاعيد إلى المعتقل بمرارة وحسرة سنوات العمر التى مرت وبدت آثارها على المدينة التى تبدلت تماما بعد الثورة، ويعتقد يحى مختار أن هذا هو السبب الأساسى فى كتابته الشمندورة.. رغبة الكاتب فى التمسك بالجذور فى وجه التبدل والتغير والظلم والاستبداد، نفس الجولة التى أشار إليها سيد أسحاق فى كتابه (البحث عن الشمندورة) واعتبرها قد تمت بعد كتابة رواية الشمندورة.
لا تقل عن الثلاثية وعودة الروح
لكن المؤكد أن قاسم بدأ العمل على كتابة روايته عام 1961، وكما يشير سيد أسحاق فأن الفنان حسن فؤاد والكاتب صلاح حافظ والفنان زهدى وعلى الشلقانى والكاتب ألفريد فرج كانوا يشاركون بملاحظات أفادت قاسم وهو يعيد الكتابة بإضافات جديدة بمنتهى الصبر، ويجود فى عمله رغم صعوبة الكتابة على ورق البفره..
اللافت أن المعتقلين فى العام 1959 اسسوا دار نشر (الثقافة للحياة) تحت إشراف الفنان حسن فؤاد، وكان هناك مسئولون عن نسخ الأعمال التى يكتبها المعتقلون مثل أحمد عبد العليم وفكرى قوره ويصدرونها فى كتاب مجلد ويتم توزيعها على المعتقلين، ومن ضمن هذه الاصدارات كتاب "الشمندورة" لمحمد خليل قاسم، والذى قام حسن فؤاد برسم غلافه على قطعة قماش وهو يعلق بكلمات عن المؤلف.. لكن كل ما كان يكتبه قاسم على ورق البفره كان يهرب إلى خارج المعتقل من خلال زيارات المعتقلين، وقامت السيدة ليلى الشال التى كانت زوجة لرفعت السعيد رفيق المعتقل آنذاك بهذا الدور.. وبعد خروج حسن فؤاد من المعتقل ساعد على نشر الشمندورة لتصدر على حلقات مسلسلة فى مجلة صباح الخير الأسبوعية قبل أن تنشر الرواية فى كتاب.. وتستوقف جيلا كاملا من الكتاب.

عن هذا يقول الأديب سعيد الكفراوى إن الشمندورة لفتت الانتباه وقت نشرها على حلقات بمجلة صباح الخير، لأنها قدمت مادة شديدة المحلية، واستطاع قاسم من خلال هذا الشخصيات النوبية وعلاقتها بالمكان والزمان الاستثنائى أن يطرح أسئلة جديدة على الرواية العربية، وأضاف: (كنا جميعا نتجه نحو التجديد فى الكتابة واللغة ونستفيد من المنتج الغربى ومن الواقع المتاح، لكن قاسم استوحى الواقع النوبى ليقدم تجربة ثرية أحدثت رد فعل إيجابى لدى المتابعين فى الستينيات على مستوى النقد والقراءة، لكن رغم قيمتها التى لا ينكرها أحد فقد ظلمت تاريخيا، فلم تدخل فى سياق الروايات المؤسسة فى الأدب العربى كما كان جدير بالنقد أن يفعل.. فهى لا تقل قيمة عن (عودة الروح) لتوفيق الحكيم، أو (ثلاثية) نجيب محفوظ، أو (رامه والتنين) لأدوار الخراط، أو (تلك الرائحة) لصنع الله إبراهيم، فى الابداع الغربى يمكن لعمل واحد أن يحقق المجد لصاحبه ويجعله جزء من ذاكرة الابداع الانسانى، لقد نظرت أنا وغيرى من الكتاب مثل الراحل محمد مستجاب وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم من الأدباء ذوى الأصول غير القاهرية إلى هذه الرواية، باعتبارها رواية العوالم المحلية وتأسيس لأدب نوبى له مذاقه وأدواته ليخرج من عباءة قاسم إبراهيم فهمى وإدريس على ويحى مختار وحجاج أدول وحسن نور.. تيار يثرى الرواية المصرية ويشكل تعددية أدبية.. وكانت الشمندورة ومازالت نغمة أساسية فى الرواية المصرية)..
سحر العمل
حين فكر الأديب خيرى شلبى فى الاعداد لكتاب عن شخصيات من الأدب المصرى المعاصر قرر أن يبدأ بشخصية (داريا سكينه) إحدى شخصيات رواية الشمندورة ويقول عن ذلك (قرأتها فى الستينيات مسلسلة بمجلة صباح الخير، وبعد صدورها فى كتاب قرأتها عدة مرات وتأثرت بها، وكانت شخصية "داريا سكينه" هى الأكثر حضورا بالنسبه لى فى الأدب المصرى المعاصر، فحضورها يتجاوز نطاق الورق ويكون كيان قائم بذاته، لدرجة أننى توهمت وجود علاقة بينى وبين هذه الشخصية ولم استطع نسيانها، وكتبت عنها كتاب كامل فى أطار سلسلة من الكتب كان من المفترض اصدارها عن شخصيات من الأدب المصرى المعاصر لكنى لم أكمل السلسلة فلم أجد فى الأدب العربى المعاصر شخصية تماثلها فى ثراءها وتفردها.. واعتبر أن الشمندورة من أعظم روايات القرن العشرين وفى صدارة الأعمال المكتوبة باللغة العربية .. وعدم تقلدها المكانة الحقيقية لها دلالة على وجود خلل فى الحياة الثقافية المصرية والعربية..).
يخرج محمد خليل قاسم من المعتقل عام 1964 مع كل المعتقلين والمسجونين الشيوعيين، كانت شهرة الشمندورة قد سبقته فى الوسط الثقافى، كان فى أوائل الأربعين من العمر بلا عمل أو سكن.. تواجهه مشاكل أسرته الفقيرة والتغيرات فى الحياة السياسية والحزبية والتى دعت لحل الأحزاب الشيوعية والتخلى من جهة، والاندماج مع التنظيم الطليعى بقيادة عبد الناصر من جهة أخرى ليذوب المعارضين فى السلطة! ..
ويروى الأديب يحى مختار عن هذه الفترة (كانت أخته تؤجر غرفة واحدة فى بيت ابنة خالتى بحى عابدين، ولأن قاسم لم يكن له مقر بعد خروجه من المعتقل أتى للاقامة مع أخته.. لم يكن هناك أثاث فى الغرفة بخلاف سرير وكرسى واحد، وكان قاسم يتكأ على بطنه فوق السرير يقرأ أو يكتب أغلب الوقت، لم يكن يدخن وكان قليل الأكل ولم يشتكى من المرض رغم تكالب الأمراض عليه...).

الخروج إلى الموت
خرج قاسم من المعتقل بقائمة أمراض، ولم يمنعه ذلك من تحمل مسئولياته ومواصلة حياته ونشاطه الأدبى.. وتم التفكير فى عمل ندوة أدبية فى النادى النوبى العام فى شارع إبراهيم باشا بالقرب من مسرح الجمهورية، نفس المقر القديم الذى بدأ منه قاسم نشاطه فى الاربعينيات، ظلت هذه الندوة تقام بصورة دورية منتظمة وكان لها تأثير واسع حتى أن كل أدباء جيل الستينيات ترددوا عليها مثل عبد الرحمن الأبنودى ويحى الطاهر عبد الله ورؤوف مسعد وغيرهم، يقول الأديب حسن نور عن هذه الندوة (كان محمد خليل قاسم يقيم ورشة كتابة للأدباء النوبيين الشباب، وكنت أتردد عليها وكذلك على الندوة الأسبوعية التى أقامها فى النادى النوبى العام، يقوم بتوجيهنا ومناقشة أعمالنا فى حضور أدباء كبار أمثال يحى الطاهر وأمل دنقل، واعتبرت هذه الندوة أفضل ندوات الستينيات الأدبية .)..
وكان له جهده الخاص فى الترجمة بدار الثقافة الجديدة وحصل على وظيفة مترجم بسفارة ألمانيا الشرقية، واهتم باعطاء دروس فى اللغة الانجليزية للطلبة النوبيين الفقراء، كان عمله الجديد قد كفل له استئجار شقة انتقل فيها مع أخته واخيه وبدأ يفكر فى تأمين حياة أسرته وفى الزواج وتكوين أسرة.. وعن علاقته بعائلته وأهالى النوبة يقول يحى مختار (محا الصدى الذى احدثته الرواية كل التحفظات التى كانت لدى النوبيين ولدى أفراد أسرته تجاهه، خاصة مع الترويج لاتهامات جاهزة ضد الشيوعيين تمس قناعات البسطاء الدينية ..
كان الكاتب محمود الشوربجى قد حول الشمندورة إلى مسلسل إذاعى فى إذاعة صوت العرب ركن وحى الجنوب، يبدأ المسلسل بأغنية الشمندورة بصوت الفنان النوبى (عبد الله باطا) والتى غناها الآن الفنان محمد منير واشتهرت بصوت.. وكان النوبيون يتجمعون حول الراديو لسماعه.) ويضيف سيد أسحاق عن ذلك (النضال الوطنى لم يأخذه بعيدا عن الهم النوبى، فعبر عن الواقع والمرارة النوبية من خلال الشمندورة وهو معتقل أى أنه لم ينس النوبة فكان معبرا عن الوطن بأسره.. وكان لديه خطة مستقبلية لعمل أجزاء للشمندورة ليترك ثلاثية(الشمندورة-الطوفان –بعد الهجرة).. بدأ فى كتابة الجزء الثانى بعنوان الطوفان على حلقات مسلسلة للإذاعة، وبالفعل أذيع منه 23 حلقة فقط ولكنه توفى قبل اتمامها فتم استكمال السبع حلقات الناقصة بأشعار لزكى مراد، والذى كتبه لم نستطع استرداده حتى هذه اللحظة ولا استطعنا أحضار التسجيل الخاص بالشمندورة والطوفان من الإذاعة..)
كان يعد كل شئ لبدأ حياته كمواطن عادى وينتظر زفافه خلال أسابيع حين عاجلته أزمة قلبية مفاجئة انهت حياته فى 10 يونيو 1968 وهو لم يكمل عامه الثامن والأربعين، ولم يكمل بعد مشاريعه الشخصية والأدبية، خرجت جنازته من مقر النادى النوبى العام الجديد بميدان التحرير الذى اختاره المحامى المناضل "زكى مراد" رفيق رحلة محمد خليل قاسم مكانا لتشييع جثمانه.

الشمندورة المنسية
فى حفل تأبينه الذى اقامه رموز اليسار قدمت عدة توصيات من أجل الشمندورة وصاحبها لم تنفذ حتى الآن! فلم تخصص جائزة سنوية تحمل اسمه، ولم تصدر طبعات جديدة بعد الطبعة الثانية التى اصدرتها أدب ونقد ونفذت تماما، بل لم تترجم تلك الرواية الفذة رغم الاتجاه لترجمة الكثيرين من الأدباء النوبيين.. توضح الكاتبة فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالى ( السبب الأساسى فى كل هذه التلكأ فى تنفيذ توصيات حفل التأبين هو عدم وجود المال اللازم، أما عن الترجمة فربما هناك بعد ايدلوجى فى عدم ترجمة عمل عظيم لمناضل شيوعى مثل محمد خليل قاسم، ترتبط بالتوجهات الامريكية والأوروبية.. فلا يترجم عمل يعد من كلاسيكيات الأدب العربى مثل الشمندورة بينما أعمال الأديب حجاج أدول "الداعية الأكبر" للدفاع عن النوبة -كما يشاع- هى الأكثر ترجمة!)..
ورغم تعبير الكثير من المخرجين الكبار أمثال يوسف شاهين وعلى بدرخان عن رغبتهم فى إخراج هذا العمل سينمائيا إلا أن هذا لم يتم، ولم يقدم أيضا مسرحيا رغم الاتجاه لتقديم أعمال إدريس على ويحى مختار على خشبة المسرح وهو ما يوضحه المخرج المسرحى ناصر عبد المنعم الذى قدم هذه الأعمال على خشبة المسرح (الشمندورة هى المصدر الرئيسى للأدب النوبى لكنها عمل ضخم فى مساحته الزمنية وشخصياته وخطوطه الدرامية، لكنه مازال حلما يساورنى فدائما كانت الشمندورة فى ذهنى واستفيد من قراءتى لها أثناء إخراج أعمال أخرى عن البيئة النوبية، لكن عملا مثل ذلك لابد أن تنتجه مؤسسات الدولة لكن الدولة لا تنتج أى شئ له قيمة، وأعتقد أن صاحب الشمندورة لن يلقى اهتمام الدولة المصرية كمناضل شيوعى ضد السلطة، لكنى أتصور أنه قد آن الآوان ليسترد هذا الرجل مكانته، خاصة أن صندوق التنمية الثقافية يتبنى مشروعا الآن لإنتاج أفلام ضخمة وليس هناك عملا أكثر استحقاقا لإقامة مشروع ضخم، يوازى ضخامة التجربة الروائية، أكثر من شمندورة قاسم.