الاثنين، 22 نوفمبر 2010

عــــــن الـــكـــشــاف....من كتاب رحله في زمان النوبه


كــتــاب رحله في زمان النوبه"دراسه للنوبه القديمه و مؤشرات للتنميه المستقبليه" للباحثان الدكتور محمد رياض أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب جامعة عين شمس و زوجته رحمها الله الدكتوره كوثر عبد الرسوال استاذ الجغرافيا بكلية البنات جامعة الأزهر و قد صدر الكتاب في القاهره ديسمبر 1997 مع انهما قد عملا علي الكتاب منذ عام 1966 حيث عاش الاثنان في النوبه و قاما بدارستهما العظيمه في بداية الستينات قبل تهجير النوبين و بعد تهجيرهم.

.......................................

يحتاج هذا الموضوع إلي بعض التوضيح…هل شكلوا حكما مستقلا ام إدارة ذاتيه تحت النفوذ الإسمي للولاه في القاهره مقابل ضريبه سنويه؟و ماهي مناطق نفوذهم في إي من الحالتين؟ و كيف أستمر هذا النظام نحو ثلاثة قرون؟

الأغلب ان الكاشف كان نظاماْ متمما للحكم في مصر في صورة إلتزام مقابل إستقرار الأمور و إستمرار التجاره و بعبارة أخري كانت النوبه تحت إدارة الشاف دويلة ذاتية عميله لمصر في مواجهة سلطنة الفنج التي أمت نفوذها في فترات قوتها إلي دنقله.

هل صحيح ان الدوله نسيت هذه الحاميات العسكريه كما ذكر كل الذين كتبوا عنهم؟ ربما سقطت رواتبهم و لكنهم كانوا موجودين و معروفين لدي القاهره_علي الاقل نتيجة إرسالهم الضريبه السنويه.و حاكم إسنا أو أسوان له صلة و مراسلات بهم و يكتب خطابات توصيه لأشخاص يمرون بالنوبه يأخذها الكشاف علي محمل الجد و لا يخالفونها إلا بدهاء يجعلهم غير مسئولين عما وقع خلافا للتوصيه.إذن الدوله في مصر لم تنسي الكشاف و إنما أغلب الأمر أنها تركتهم يدبرون أمورهم داخل النوبه و بمواردها المحليه و ربما أمدتهم بالسلاح أو سهلت لهم الحصول عليه من السوق المصريه للإبقاء علي فاعليتهم العسكريه ضمانا للحدود الجنوبيه.

أما كيف استمروا في الوجود فيرجع ذلك غلي سياسة تزواجهم مع بنات وجهاء النوبين و أغنيائهم و تزويج أبنائهم علي هذا النحو.لهذا تقول بعض المصادر ان الكاشف كان له زوجات عديدات لم يجمعهم في حريم داخل قصر،و إنما يبقيهن في قراهن و بذلك يشرف هو و أبناؤه علي ممتلكات الأمهات في نواح عديده من النوبه. لهذا تكاثر الكشاف بحكم النسب الابوي و أصبحوا قوه عصبيه داخل جسم النوبين الذين هم أنسبائهم و أخوالهم علي مر الأجيال و لاشك ان الابناء يتلقون تعليما عسكريا يسمح لهم بإستمرار النفوذ و مساعدة الكاشف الكبير الذي يسكن الدر و هذا الاخير يندب أخا او ابنا لممارسة جمع الضرائب من الاهالي في مناطق معينه من النوبه مما خلق نسيجا متشابكا من الحكم يمتد الي ماتصل إليه قوة الكشاف.

و قد أدي التعسف في جمع الضرائب إلي هجرات سكان نجوع بأكملها في أحيان"1" مما يعطي الفرصه للكاشف تمليك الأرض التي هجرها أصحابها إلي بعض القادرين علي الوفاء بالضريبه المفروضه عليها او تمليكها لأبنائه و أقاربه خاصة أراضي الجرف الي تحاذي ضفة النهر مباشرة و هي اسهل في ريها واغناها محصولا و هذه التصرفات كانت تعني تغير أشكال الملكيه و تغير الملاك بل و تغير بعض السكان في النجوع و القري من حين لآخر طوال حكم الكشاف للنوبه. ولكن الامور استقرت بعد ان اصدرت الحكومه المصريه قرارا عام 1902 بتثبيت ملكية الارض لمن يزرعها و بالتالي فان الكثير من إدعاءات ذرية الكشاف علي اراض كثيره انتهت و انتهت معها سطوة كانت تمثل زاويه باقيه من زوايا النفوذ القديم للكشاف و لم يبق لهم الا الاراضي التي ىلت إليهم بالميراث شأنهم شأن بقية النوبين في ذلك و يجب ان نلاحظ ان ذلك قد مس اراضي جنوب النوبه من كورسكو الي أدندان حيث كان الكشاف و أتباعهم يتركزون في الاراضي الغنيه بينما لانلحظ ذلك في وسط و شمال النوبه لن نفوذهم في تلك المناطق كان غاليا مايقتصر علي فرض الضرائب.

حكم الكشاف كان يمتد من بلاد الكنوز إلي بلاد المحس لكن مركز الحكم كان هو اقليم النوبين في مصر إلي بلاد السكوت_إي يمتد من نحو كورسكو إلي جنوب الشلال الثاني و هذه هي أخصب بلاد النوبه بإطلاق فيما عدا السهل الغني في اقليم دنقله و كانت قري الكنوز الشماليه تقف أحيانا في وجه الكشاف و بخاصة قــــرشــــه فلا تدفع الخراج المطلوب او تدفع اقل منه .و ربما كان ذلك ناجما عن اقتراب هذه المناطق من مركز الحكم المصري في اسوان كذلك كان عرب العليقات يدفعون ضريبه لكن الكشاف لم يكونوا يعاملونهم بنفس أسلوب معاملة الكنوز لقوة العليقات التجاريه و حسن تسليحهم و في داخل مركز الكشاف كانت هناك قوه اخري أحيانا مناوءه متمثله في أغا أبريم الذي يمتد نفوذه غير بعيد من جنوب الدر حتي توشكي وأغا جزيرة صاي في شمال بلاد المحس و أغلب الكشاف يعودون باصولهم الأولي إلي البُشناق و المجر و غيرهم من بلاد البلقان و العثمانيه.أما حكام جزيرة صاي فكانوا من الأكراد و كلهم كانوا يتكلمون التركيه العثمانيه و لاتزال بعض الأسماء تشير إلي ذلك الاصل البعيد مثل مجموعة المجراب التي كانت متنشره في منطقة حلفا أو أسماء بعض الأماكن و القري مثل الكارانوج حيث كارا او قره كلمه تركيه بمعني أسود و نوج مصطلح نوبي بمعني بيت أو مجتمع نسبي.

و علي الرغم من قوة الكشاف إلا إنهم لم يكونوا ندا للمماليك الهاربين من وجه محمد علي فبرغم هزيمة المماليك أمام إبراهيم باشا في كـشــتــمــنـــه"في النوبه الشماليه" عام 1811 إلا إنهم زحفوا جنوبا إلي الدر و ابريم و أستولوا علي قلعتها في العام التالي و أستولوا علي 1200 بقره و أغنام كثيره و أموال فديه الأغا و السكان و حاصورا بعض القوات المصريه التي كانت تطاردهم ثم زحفوا جنوبا الي المحس و استقروا في دنقله"2" مكونين دوله مملوكيه لم تعمر سوي تسع سنوات من التنظيم و الاداره انتهت بدخول كل السودان في حوزة مــصـــر.

………………..

1-أشار الرحاله الروسي الأمير بوكلر- موسكاو(1837)الي قري نوبيه هجرها اهله جماعيا و ارتحلوا في وقت قريب من زيارته الي مواطن جديده في دارفور و ربما تكون هذه إشاره الي ان النوبين كانوا يمارسون هجره جماعيه لسبب او اخر في أحيان متعدده إلي كردفان او دارفور مما يفسر الانتشار الواسع للهجات النوبيه خارج النوبه و هو ماادي ببعض العلماء الي اعتبار كردفان الوطن الاصلي للفات النوبيه .

2-أقام المماليك دوله لهم في اقليم دنقله و أنشاوا عاصمة هي دنقله الجديده(الموقع الحالي) التي اصبحت مركزا تجاريا تفد إليه القوافل من دارفور و شجعوا النوبين علي استخدام الساقيه و قضوا علي سطوة الشايقيه نهائيا و كان عدد المماليك نحو 500 فارس فقط لكنهم سرعان ما كونوا جيشا قويا من العبيد المسلحين بالرماح و القسي بينما أختص المماليك بالسيوف و الاسلحه الناريه و الخيولو أستمرت هذه الدوله 9 سنين إنتهت بفتح السودان1820

الأحد، 21 نوفمبر 2010

الشمندوره"المعني و الرمز"...بقلم محمود أمين العالم2

المقال من مقدمة كتاب "البحث عن الشمندوره"للأستاذ سيد جمال إسحق عضو حزب التجمع المصري و أحد رموز الحركه الشيوعيه المصريه عبر تاريخها
و للكتاب مقدمتان احدهما تتحدث عن محمد خليل قاسم"مؤلف رواية الشمندوره و قد كتبها الراحل محمد يوسف الجندي و هو احد رموز الحركه الشيوعيه المصريه و الاخري تتحدث عن رواية الشمندوره ذاتها و كتبها الراحل محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف
.........................

و يكاد القسم الأول من الروايه ان يتشكل_كما سبق أن ذكرنا_ من لوحات مختلفه متنوعه،تعبر كل لوحه منها علي جانب من جوانب حياة هذه القريه النوبيه.

و لا سبيل لمتابعه تفصيليه لفصول الروايه في قسمها الأول و لهذا نكتفي بالإشاره إلي بعض عناصر هذه الفصول.فالفصل الأول يكاد ان يكون مقتصرا علي تقديم عائلة الراوي الصغير تقديما يمهد لفصول أو للوحات في فصول أخري مثل فصل الإحتفال بزواج أخته و في الفصل الثاني نتعرف علي أطفال القريه في رحلة ذهابهم اليومي إلي كتاب الشيخ طه. و في الفصل الثالث نتعرف علي حسن المصري الصعيدي الهارب من جريمة قتل،كما نتعرف علي مختلف علاقاته النسائيه في القريه و دوره الفعال في خدمة أهالي القريه.و في الفصل الرابع نلتقي ببعض العئدين من القاهره حيث يعملون،يحمل بعضهم أخبارا عن الأزواج او الابناء الذين لم يعودوا بعد.و الفصل الخامس هو فصل جمع الثمار و الفصل السادس و السابع هو فصل دفع الديون للمتجر الذي يملكه الشيخ أمين والد حامد الراوي و مايدور خلال ذلك من مساومات و اختلافات بهذا الشأن و الفصل الثامن هو فصل الموسم الكبير موسم البلح حيث يأتي تجار غرباء للشراء.و هو فصل زاخر بالأحاديث السياسيه و الإجتماعيه و في هذا الفصل يثار موضوع التعويضات عن الفيضان و عن ضآلة هذه التعويضات .و في هذا الفصل يأتي مدير مصلحة المساحه علي راس وفد لتسجيل الأطيان و النخيل الخاص بالأهالي. و الفصل العاشر هو فصل حجويه الزوجه الثانيه لوالد حامد الراوي و هي تعاني حالة ولادة متعسره.و الفصل الثاني عشر هو فصل فرقة أبو رحاب بطبها و راقصيها،وفي هذا الفصل تقول فكيهه الغجريه قارئة الرمل لحامد انه سيقف ثلاث مرات أمام المحاكم و هو مايتحقق بالفعل في حياة المؤلف محمد خليل قاسم بعد ذلك! و في الفصل الخامس عشرلقاء حامد مع مصطفي الذي يدرس في مدرسة عنيبه و تطلع حامد ان يشاركه في ذلك متخليا عن الذهاب الي الازهر كما يريد له والده.و في الفصل السادس عشر نجد داريا و أبنتها شريفه و هما اكثر القريه فقرا و تعاسه تعملان في الزراعه في غيبة أبن داريا جمال في مصر و استقراره بها و زواجه من مصريه.أما الفصل السابع عشر فهم موسم شهر الصوم شهر رمضان و عاداته المختلفه من عبادات و أطعمه و طقوس و في هذا الفصل تأتي أخبار عن مظاهرات في مصر ضد صدقي باشا. و في الفصل الثامن عشر نحتفل بليلة القدر وفي الفصل التاسع عشر نحتفل بالعيد و نزور قبور أمواتنا و في الفصل العشرين أخبار عن جريدة الأهرام حول تقديرات حكومة صدقي باشا للتعويضات و حول أزمة البطاله و محاكمة عمال العنابر مما يبرز الجانب السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي. و في الفصل الحادي و الثاني و الثالث و الرابع و العشرين تفاصيل حفل زواج شعبان بأخت حامد و طقوس تعميد العروسين في النيل و طقوس الزواج عامة و بخاصه الرحله الي مقام الشيخ شبيكه للتبرك بعتباته و مع هذا الفصل يكاد ينتهي القسم الأول من الروايه الذي يقدم لنا لوحات متنوعه للواقع التراثي و الاجتماعي لقريه نوبيه في انحائها المختلفه. و ان كنا نحس كما اشرنا من قبل بداية خطر الفيضان المقبل و ظلم و اجحاف التعويضات التي قدرتها لاهالي القريه حكومة صدقي باشا المستبده.

و لعل هذا القسم ان يكون لامجرد تسجيل لواقع اجتماعي تاريخي ثقافي لهذه القريه النوبيه إنما هو بهذا التسجيل نفسه يعد تمهيدا واقعيا تقريريا لابراز فداحة و عمق المحنه التي سوف تتعرض لها القريه النوبيه و التي سوف تكرس لها الروايه فصولها التاليه.علي ان هذا القسم الأول من الروايه لايقدم لوحاته الاجتماعيه علي هذا النحو التجريدي المسطح الذي عرضته و انما يعرض لها في حياتها و تجاربها و طقوسها و عاداتها و اعرافها و علاقاتها و حكاياتها و أساطيرها و مشكلاتها و افراحها و مباهجها و قصص الحب المختلفه كمجتمع متسق متجانس ملتحم موحد رغم فقره و تخلفه و مآسيه الصغيره.

و مع الفصل الخامس و العشرين تبدأ مرحله دخول الروايه شعوريا وسلوكيا و عمليا في الدراما الحاده لمرحلة الطوفان. ولهذا تبدأ الفقره الاولي من الفصل بتواتر الأحاديث في القريه عن التقديرات الكجحفه للتعويضات و هنا تبدأ عملية كتابة عرائض الاحتجاج،يكتبها المأذون أو بدر أفندي أو المحامي و تقرأ العرائض علي الناس علي المصاطب و في الساحات ثم يوقعونها ثم ترسب إلي المسئولين في القاهره.

و نلاحظ في هذا الفصل و في أغلب الفصول التاليه أختفاء الراوي الطفل و ينتهي هذا الفصل بحجز بعض الذين وقعوا هذه العرائض في سجن المركز في الدر و في الفصل الثاني تنتقل بنا الروايه إلي قلب أحداث المقاومه في القاهره حيث نلتقي بالنوبي المناضل حسين طه الذي يخطط لإغتيال صدقي باشا إنتقاما لمعاملته المجحفه للنوبين و هكذا تتحول الروايه من حالة الوصف و التسجيل إلي حالة الغليان و التوتر و الاحتجاج و المقاومه و النضال دون أن نفقد الخيط المتصل لبعض أحداثها الإجتماعيه و العاطفيه مثل عشق مرعي لشريفه و علاقة بسطاوي بسعديه ثم مرض شريفه مرضا يكاد يعرضها للموت.قد يبرز الأنا الراوي أحيانا و لكن بشكل عابر.ذلك أن الروايه انتقلت في معظم أحداثها إلي السنة ابناء القريه و الي الكاتب المتضمن في الروايه أو إلي لسان الجماعه(نحن) .و تتعرض القريه في فصل من فصولها لمجاعه حاده و تكتفي الدوله بمواجهتها ببضعه أطنان من الدقيق الاسترالي الذي لايغني شيئا و لا يسد حاجه و ما ان تنتهي المجاعه حتي يبدا هجوم الجراد الذي يقاومه الأهالي مقاومه باسله.و ما ان ينتهي الجراد حتي تقترب ساعة الطوفان و هنا تبرز بقسوه مسالة التعويضات و الموقف منها .ما العمل؟ هل تقبل القريه ماتعرضه الحكومه ام ترفض و تقاوم!؟ و في هذه المرحله يبرز وجه جديد غلي جانب الوجوه البارزه الأخري.إنه أحمد وابور و هو مايمكن ان يكون رمزا أو نموذجا للعامل الصناعي(في حدود الإحتياجات الصناعيه للقريه) في معركة المقاومه و يرتفع شعار مقاومه التعويضات و رفض استلامها و تتشكل جبهه لها و لكن هذه المقاطعه لاتحولها الروايه بشكل مثالي غلي بطوله مطلقه فسرعان ماتخف شيا فشيئا حتي يتم الاستسلام في النهايه لما تفرضه الحكومه.يتراجع أهل القريه واحدا بعد الاخر بتاثير من واقعهم المتدني و ضآلة نقودهم و ماتركه الجراد في زراعاتهم فضلا عن سوء المحصول و انخفاض أسعار البلح غلي جانب المجاعه و يبدأ أهالي القريه يهاجرون إلي الضفه الاخري من النهر لإرتفاعها عن مستوي الفيضان المتوقع .أخذوا يفككون بيوتهم و يحملون ابوابها و مايمكن ان يحتاجوه منها. وهكذا أخذت القريه تتحول من الوحده المتماسكه الملتحمه التحاما حميما مكانا و تاريخا و ناسا و مباني و تراثا التي أبصرناها خلال لوحات القسم الاول،أخذت هذه القريه تتفكك "كل شئ أخذ ينهدم .السواقي،الشواديف،جدران البيوت،الحظائر و كل شئ أخذ يتلاشي"(ص364) و تشحن البقايا الصالحه الي الضفه الاخري من النهر في مواجهة صعوبات و اخطار و تضحيات كبيره و كان مرعي و وابور و شباب القريه يحملون العبء الاكبر بشكل جماعي متفان و سرعام مااخذت امواج الطوفان تتدفق تحاصر كل شئ ثم سرعان مااخذت تغيب فيها القريه بأكملها،باشجارها و قبورها و بقايا جدرانها و علي وجه الماء أخذت تعوم أكفان بيضاء!

لعل هذه الصفحات التي عبرت بها الروايه عن ابتلاع المياه للقريه ان تكون من ابدع صفحات الروايه بل و من ابدع الصفحات في أدبنا العربي المعاصر كله.

و هكذا انتقلت حياة القريه الي الضفه الاخري الجرداء الميته لتبدأ مرحلة بعث جديد في مواجهة أخطار و أزمات من نوع مختلف.لعل كان من أشدها و أقساها إندلاع الحريق الذي اتي علي اغلب ماحملته ايدي الاهالي من قريتهم التي اغرقها الطوفان فضلا عن ندرة المياه و صعوبه الحصول عليها من باطن الارض و يبدا الاستقرار القلق المأساوي في هذا الموقع الجديد و لكن لايتوقف الاهالي عن المطالبه بحقوق جديده و تبدأ حملة العرائض من جديد بغسم "منكوبي التعليه الثانيه" يطالبون فيها با يتيح لهم مواجهة الصحراء التي تحيط بهم من كل جانب. و الروايه لاتنتهي بنا عند هذا الحد بل يبدا مايشبه التذييل الاخير.في هذا التذييل الاخير تنشغل الروايه بمسألة سفر حامد الراوي الذي كبر مع الاحداث ليتعلم في المدرسه الابتدائيه في العنيبه و تنجح عريضة"منكوبي التعليه" في إعفائه من شرط السن و يعود الي مواصلة دراسته في المدرسه بعد ان كان قد طرد منها و لهذا تنتهي الروايه وحامد يمتطي ظهر ركوبته منطلقا في الطريق العام الي مدرسته الابتدائيه في عنيبه. و هكذا كما ذكرنا من قبل تتحرر الشمندوره في النهايه من قيودها في شخص حامد بفضل النضال الجماعي و التمسك بحق المعرفه و التعليم،الذي هو طريق التحرر و الخلاص من التخلف و الامتهان و الاحساس بالدونيه.

و هكذا تبدأ الروايه"بالنحن" الجماعيه و تنتهي "بالانا" الفرديه تغذ السير في الطريق العام،طريق المجتمع الاكبر خروجا من المجتمع الضيق المغلق.علي انها ليست الانا الفرديه المفارقه لتراث الجماعه و انما هي الانا الفرديه التي انتصرت بفضل وعي جماعي و نضال جماعي.

و تتحرر الانا الفرديه بالتعليم،هو علي النقيض من خروج الانا الفرديه من الجماعه خروجا مكانيا فحسب للخدمه المتدنيه في المجتمع الاكبر مما يعني تكريس العزله و الانغلاق الاستغلال و التخلف. وما اكثر التأكيد في مواضع مختلفه من الروايه علي ضرورة التعليم و العمل علي فتح ابوابه للأجيال الجديده كطريق للتحرر و الكرامه.

و تكاد ان تكون هذه هي الرساله الكبري للروايه كما سبق ان أشرت فالروايه لاتسعي فقط الي مجرد تسجيل احتجاجي علي ماأصاب أهالي النوبه من ظلم بالغ وما تحملوه من تضحيات كبيره لتحقيق مشروع تعميري كبير لمصلحة مصر كلها و لاتسعي فقط كذلك الي تأكيد الهويه المكانيه و المجتمعيه و التاريخيه التراثيه للمجتمع النوبي في إطار المواطنه المصريه و إنما تحمل كذلك رسالة التعليم و المعرفه لكل النوبين بل للمصرين عامة بإعتبارها طريق التحرر من التخلف و الدونيه و طريق المشاركه الفاعله الايجابيه في تنمية و تطوير و تجديد الوطن الكبير في مختلف جوانبه السياسيه و الاجتماعيه و التراثيه و الثقافيه و الحياتيه عامة.

و لعل هذا هو الطريق نفسه الذي اختطه محمد خليل قاسم لنفسه.لقد جاهد من اجل ان يواصل طريق تعليمه و استطاع بهذا ان يخرج من حدود مجتمعه المغلق دون ان يفقد خصوصيته التراثيه،بل راح يغنيها و يخصبها باندماجه في المجتمع المصري الكبير و انخراطه في معارك التحرر الوطني و التقدم الاجتماعي و الوحده القوميه العربيه و التحرر الانساني الشامل من الاستغلال و التبعيه و الاغتراب و القمع و الاستبداد و الاستعمار و الصهيونيه و العنصريه و الانغلاق متسلحا بالفكر الاشتراكي المستنير.

إن رواية الشمندوره رغم موضوعها الخاص المحدد هي تعبير عن هذه الرؤيه الإنسانيه الشامله و لهذا فهي روايه ذات خصوصيه متميزه في أدبنا العربي الحديث كما قلنا في البدايه.إنها تجمع بين الخاص و العام،بين الوطني و القومي والانساني، بين التسجيلي و الشعرينبين التقريري و الرمزي،بين التفاصيل الصغيره و الرؤيه الشامله و بين المحنه القاسيه و الشموخ الانساني،بين شراسة الوقع و عطر العاطفه الإنسانيه الزاخره بالوداعه و الطيبه و الصدق و الشجاعه و محبة الجمال و الحياه،تجمع بين رصانة اللغه و شفافيتها الصافيه الموحيه.

هذه هي الشمندوره الروايه التي أبدعها محمد خليل قاسم أما الشمندوره الرمز فماتزال تعاني قسوة قيودها وماتزال تواصل نضالها من أجل الحق و العدال و الحريه و هذا هو معني أن نعيد قراءة الشمندوره الروايه وان نجدد دراستها و أستلهامها في حياتنا....

و تحيه للذكري المتجدده للمناضل و الفنان المبدع مــحـمــد خــلــيــل قــاســــم


الجمعة، 12 نوفمبر 2010

مـحـمـد خــلـيـل قــاســم…..بقلم محمد يوسف الجندي


نقلا عن مركز آفاق إشتراكيه

المقال من مقدمة كتاب البحث عن الشمندوره للأستاذ سيد جمال إسحق

عرفت محمد خليل قاسم عام 1948 كنت في ذلك الوقت مسئولا عن منطقة الاسكندريه في “الحركه الديمقراطيه للتحرر الوطني” و حضر قاسم من القاهره ليعمل معي في لجنة المنطقه.
كنا نسكن معا في حجره فوق سطح أحد العمارات في الإبراهيميه،كان كلانا هاربا من مطاردة البوليس السياسي و ذلك بعد قيام حرب فلسطين و إعلان الاحكام العرفيه و بدء حملة الاعتقالات التي قامت بها حكومة إبراهيم عبد الهادي ضد العناصر الوطنيه المعارضه لسياستها و الشيوعين في مقدمتهم.كان علينا ان نعمل علي تأمين إقامتنا و سكننا و نواصل عملنا السياسي في هذه الظروف.
كنت في الثانيه و العشرين من عمري و كان يكبرني بأربع سنوات و توثقت بيننا العلاقات،علاقات المعيشه المشتركه و علاقات العمل و النضال و نمت بيننا صداقه وطيده.وجدته إنسانا لطيف المعشر رقيقا حلو النكته ذا وجه بشوش رغم الحده التي تبدو عليه لأول وهله فقد كان لايعرف المساومه في الحق و يقول دائما مايعتقد إنه الصواب و لا يتنازل عن رأيه إلا إذا أقتنع بالراي الأخر.
عشنا معا شهرا او شهرين ثم أنتقل للعمل في القاهره و اسندت إليه مسئوليه هناك ثم نقلت أنا أيضا و بعد ايام عرفت إنه أْعتقل.
التقينا معا بعد ذلك عام 1949 في سجن الحضره بالإسكندريه ثم عام 1961 في سحن المحاريق بالواحات الخارجيه و استمرت علاقتنا في السجن و استمرت بعد الافراج عنا عام 1964.
أمضي محمد خليل قاسم 16 عاما في السجن بشكل متواصل تقريبا بإستثناء شهور قليله خرج فيها الي الحريه عام 1953 بعد ان أمضي حكما بالسجن لمدة خمس سنوات لإنه بعد خروجه من السجن لم يتخل عن معتقداته و استمر في نضاله فأعتقل من جديد و قدم للمحاكمه أمام المجلس العسكري برئاسة الدجوي و حكم عليه بالاشغال الشاقه ثماني سنوات.أمضي أغلب المده في سجن جناح في سجن المحاريق بالواحات الخاريج.أنهي مدة العقوبه 1961 و رحل الي القاهره فكانت اجراءات الافراج او الاعتقال تتم عن طريق المباحث العامه و كان في إمكانه ان يخرج الي الحريه اذا تعهد بانه ترك الشيوعيه او انه لن يواصل العمل السياسي و لكنه رفض ان يقدم مثل هذا التعهد و فضل ان يعود الي السجن لمده مجهوله رغم قسوة السجن و رغم تعطشه للحريه و كان قد أمضي في السجن ثلاثة عشر عاما شبه متصله لم يتخللها إلا فتره قصيره عاش فيها خارج السجن بين الهرب و المطارده عندما انهي الخمس سنوات الاولي من السجن عام 1953 عاد الي السجن معتقلا و كل الذي تغير انه خلع بدلة السجن الزرقاء و لبس بدلة الاعتقال البيضاء و حرم من امتيازات تطبيق لاحة السجون عليه و ظل في المعتقل حتي أفرج عنه مع جميع المعتقلين الشيوعين يوليو 1964.
استمرت علاقتنا بعد السجن و هو إنسان مثقف شاعر و كاتب متمكن و متعدد المواهب يتقن اللغه العربيه و يكتب بأسلوب رفيع و يتقن اللغه الإنجليزيه و بارع في الترجمهو إلي جانب صداقتنا و اشتراكنا في العمل السياسي ،تعاوننا معه في دار الثقافه الجديده فأصدرنا له “الخاله عيشه” و عددا من التراجم منها”حركة التحرر الوطني في شرق افريقيا” و غيرها من التراجم و كنا نلجأ إليه دائما للتشاور بخصوص عمل الدار أو لترجمة بعض الكتب التي كنا نقوم بإصدارها و عند وفاته كانت لديه في منزله إحدي هذه الترجمات التي كان عليه إنجازها.
و في احد الايام جاء لزيارتي في الدار و كان عائدا من عند الطبيب الذي أخبره بمرض قلبه.لقد تأثر قلبه بفترة السجن و المعاناه الطويله و لكنه لم يكن يستطيع ان يستريح.فكان عليه ان يعمل و يعمل كثيرا ليعيش.عمل مترجما في وكالة أنباء ألمانيا الديمقراطيه بالإضافه الي تراجم أخري كان يقوم بها و بعد خروجه من السجن كان قد بدأ جهوده لتنظيم حياته الخاصه،أراد ان يتزوج و يكون اسره و يعيش حياه طبيعيه مثل باقي البشر.دخل السجن و هو في العشرينات و خرج منه و قد تعدي الأربعين.
تقد لخطبة إحدي الفتيات النوبيات و بدا يعد للزواج منها و كنا نسمع منه عندما نلتقي أخبار هذه الاستعدادات و كنا نلحظ سعادته بذلك و كنا نسعد معه آملين ان يستطيع بعد هذه المعاناه الطويله ان يجد من يركن إليه و يستريح معه ثم فوجئنا بخبر موته.
تلك كانت حياة محمد خليل قاسم المانضل الشيوعي الذي أجب وطنه و شعبه و أعطي كل قطره من حياته للقضيه التي آمن بها ومات فقيرا لايملك شيئا و لكنه ترك تراثا لايقدر بثمن .فأعماله الأدبيه و الثقافيه و علي راسها روايته”الشمندوره” مازالت تعيش اليوم و ستستمر و ستقرؤها الأجيال و حياته و نضاله و تضحياته و القيم الأخلاقيه التي ارساها تمثل نموذجا نادرا تقدمه لشباب اليوم و الغد.
إن حياة محمد خليل قاسم هي تاريخ جيل باسره وهو تاريخ لمرحله هامه و مضيئه من الحركه الشيوعيه و الحركه الوطنيه المصريه و هذا التاريخ يبدأ في الاربعينات مع نهاية الحرب العالميه الثانيه و هي فترة صعود و مد وطني أرتبط الكثير من الشباب في هذه الفتره بالحركه الشيوعيه من منطلق وطني فقد كان الشيوعين أكثر القوي وضوحا في تحديد الأهداف الوطنيه و أكثر ثباتا في النضال لتحقيقها.كان يرون أن النضال ضد الإستعمار مرتبط بالنضال ضد السراي و الإقطاع و القوي الرجعيه المتحالفه مع الاستعمار.
و أن النضال ضد الاستعمار لا يهدف الي مجرد جلاء القوات البريطانيه و هو أقصي ماكانت تسعي إليه الاحزاب التقليديه القائمه في ذلك الوقت.فالشيوعين كانوا يدعون للنضال من أجل التحرر الكامل العسكري و السياسي و الاقتصادي و الثقافي. وكانوا يربطون بين التحرر الوطني و التحرر الإجتماعي إرتباط النضال ضد الاستعمار بالنضال ضد أعوانه من المستغلين الداخليين . و بالنسبه للعلاقه مع السودان فقد كانوا يرفضون الشعار السائد حول”مصر و السودان تحت التاج الملكي” و يطلقون شعارا آخر هو “الكفاح المشترك بين الشعبين المصري و السوداني ضد الاستعمار”.
و كان محمد خليل قاسم نوبيا من جنوب مصر القريب من السودان و كانت له علاقه بالمناضلين السودانين المتواجدين في القاهره في ذلك الوقت و بعضهم كان يعمل في صفوف الحركه الشيوعيه المصريه و ينتظمون في احدي فصائلها”الحركه المصريه للتحرر الوطني” و كانوا يصدرون في القاهره مجلة”أم درمان” التي رفعت لواء المفاح المشترك.عمل قاسم معهم في مجلة أم درمان و من خلالها ارتبط بالحركه المصريه للتحرر الوطني و ظل يعمل في المجله إلي ان اغلقها إسماعيل صدقي في حملته الشهيره ضد الشيوعين في 11 يوليو 1946.
و لن أستطرد في الحديث عن دور الشيوعين ونضالهم في الأربعينات فهناك كتابات أخري تتحدث عن ذلك بتفصيل و لكنني أكتفي بإبراز أن هذا النضال كان هو الذي قد التمهيد الفكري و السياسي و النضالي لثورة 23 يوليو 1952،التي قامت متبنيه للأهداف و الشعارات التي نادي بها الشيوعين في الأربعينات الذين لعبوا دورا مباشرا في تحديد أهداف و برنامج الضباط الأحرار.
قام الشيوعين المصريون و منهم محمد خليل قاسم بهذا الدور و لم يطلبوا لأنفسهم أي مغنم و لم يحصلوا علي اي مكسب ذاتي بل استمروا يعانون في السجون و المعتقلات طوال الخمسينات حتي منتصف الستنيات لأنهم رفضوا التنازل عن مبادئهم ،رغم انهم أيدوا و ساندوا كل الخطوات الوطنيه والإجتماعيه التي كانت بقيادة جمال عبد الناصر.
و حياة محمد خليل قاسم هي نموذج لذلك الجيل من المناضلين ،كرس حيانه كلها لبلده و شعبه و للقضيه التي يؤمن بها. و أخضع كل شئ لهذا الهدف.فكانت سعادته الشخصيه تتحق بهذا النضال وبما يحققه من نتائج فيه و كان قاسم إنسانا ذكيا واسع الثقافه و كان في استطاعته ان يسلك الطريق الذي يسلكه كل من يبحثون عن المال و الجاه و الصيت و المركز فهو يتمتع بالصفات التي تمكنه من أن يحصل علي أعلي الشهادات العلميه و ان يحقق لنفسه مجده الشخصي و ان يبحث عن سعادته الشخصيه و لكنه أخضع كل ذلك للقضيه التي آمن بها و ناضل من أجلها و تحمل في سبيلها 16 عاما من السجن في أحلي سنوات عمره.
أمضي محمد خليل قاسم في الشجن سنوات طويله و لكنه لم يضع فترة السجن هدرا.ففي السجن كتب رائعته الشمندوره التي لم تر النور الا بعد الافراج عنه بسنتين وقبل ان يرحل عن العالم بقليل.لقد كانت حياته في السجن عملا مستمرا،كلما اتاحت له ظروف السجن ان يعمل و اكن يقوم بكل انواع العمل:العمل اليدوي-زراعة الأرض و مشاركة رفاقه في استصلاح الارض.و اشترك مع زملائه في بناء مسرح قدم عليه عدد من المسرحيات المعروفه مثل “عيلة الدوغري”و “الناس اللي فوق” و “الخبر” و بعضها مثل هناك لأول مره وبنوا مسجدا للصلاة.قام بهذا كله المسجونو و المعتقلون الشيوعيون،و كان العنبر المجاور يضم المسجونين من الاخوان المسلمين و لكنهم لم يساهموا في اي من تلك الاعمال.
عمل محمد خليل قاسم بيديه،حمل الغلقان علي كتفيه و ضرب الفأس في الارض فهو و زملاؤه يدافعون عن مصالح الانسان العامل و يحترمون العمل و يقدسونه و يمارسون بأنفسهم العمل اليدوي لافرق في ذلك بين مثقف و عامل.
و إلي جانب ذلك كان يمارس العمل الفكري و الثقافي.و هو شاعر موهوب صدرت أشعاره و هو في السجن و يكتب القصص و الروايات و يقوم بالترجمه.قام بالعديد من الترجمات داخل السجن و استمر في هذا العمل بعد الافراج عنه.
و كان يرعي زملاؤه من الشباب و العمال و الفلاحين و يتولي تثقيفهم و تعليمهم عن تاريخ بلادهم و يساعدهم في الكتابه باللغه العربيه السليمه و اللغه الانجليزيه التي كات يتقنها .لك يكن يعرف الراحه سواء داخل السجن او خارجه.

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

البيان التأسيسي لإتحاد شباب النوبه



إتـحـاد شــبـاب الـنــوبــه
منظمه تسعي لطرح رؤي و حلول مختلفه للقضيه النوبيه من خلال رؤيه وطنيه و ديمقراطيه كشباب مؤمن بأهمية معركته الوطنيه و أهمية القضيه النوبيه.لنكون أكثر إدراكا لأشكالية القضيه النوبيه بجميع أوجهها .

أهم أهداف الإتحاد
1-الدفاع عن الثقافه و الهويه النوبيه ضد محاولات التذويب .
2-التأكيد علي الإطار الوطني لقضيتنا و إيمان النوبيين بحقهم في الحياه كموطنين مصريين ذوى خلفيه ثقافيه وعرقيه مختلفه .
3-دراسة قضية العوده النوبيه في إطار رؤي واقعيه .
4-الإهتمام باللغه النوبيه كرافد أساسي من راوفد ثقافتنا النوبيه و المصريه .
5-العمل علي دراسة مشاكل المجتمع النوبي و المشاركه في طرح رؤي و حلول لها في ضوء الواقع الوطني .
6-التأكيد علي الديمقراطيه و دورها الفعال في بناء الوطن .

إن إتحاد شباب النوبه هو اتحاد مؤمن بالديمقراطيه و بالقضيه النوبيه الإنسانيه و يرحب بكل شخص او هيئه أو حزب مؤمن بالقضيه النوبيه من النوبين أو غير النوبين .

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

الشمندوره"المعني و الرمز"...بقلم محمود أمين العالم 1



المقال من مقدمة كتاب "البحث عن الشمندوره"للأستاذ سيد جمال إسحق عضو حزب التجمع المصري و أحد رموز الحركه الشيوعيه المصريه عبر تاريخها
و للكتاب مقدمتان احدهما تتحدث عن محمد خليل قاسم"مؤلف رواية الشمندوره و قد كتبها الراحل محمد يوسف الجندي و هو احد رموز الحركه الشيوعيه المصريه و الاخري تتحدث عن رواية الشمندوره ذاتها و كتبها الراحل محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف
.........................
الشمندوره روايه ذات خصوصيه متميزه في ادبنا العربي الحديث كله .فهي أول روايه عن حياة أهلي النوبه و خاصة في مرحله من أخطر مراحل حياتهم،هي مرحلة التعليه الثانيه لخزان اسوان،التي إجتاحت مياهها قرهام،و فرضت عليهم محنة الهجره.و برغم ان الروايه تقتصرعلي محنه قريه واحده من قري النوبه هي قرية "قــتـــه" فإنها تكاد تقدم صورة شامله لمختلف القري النوبيه.فالروايه لاتلتقط حكايه محدده في إطار هذه المحنه،بل تتخذ من هذه المحنه نفسها مرتكزاُ لتقديم لوحات تفصيليه تسجل مختلف جانب الحياه النوبيه،من عادات و أعراف و تقاليد و علاقات فرديه و جماعيه،أساطير و اساليب عمل و تعامل. و لهذا تكاد هذه الروايه أن يغلب عليها طابع التسجيل الواقعي بل الطبيعي دون أن يفقدها هذا الطابع قيمتها الأدبيه الفنيه الرفيعه.
و لهذا لاتتحرك الروايه فحسب بلسان الراوي"الأنـــا" الطفل المشارك في أحداثها و الذي يكبر و ينمو معها و بها،و إنما تتحرك كذلك بلسان "الـنــحـن" الجماعه البشريه القاطنه في هذه القريه النوبيه،بل تتحرك كذلك بلسان عناصرها المكانيه و الطبيعيه.و هي لاتواجه محنة طوفان المياه التي تطلقها التعليه الثانيه لخزان أسوان فحسب،بل تواجه كذلك و ربما اساساُ محنة طغيان سياسي يتعامل مع محنة الطوفان تعاملاُإستعلائياُ إستبدادياُ دون مراعاة لمصالح و حقوق و إنسانيه هؤلاء الذين سيجرف الطوفان بيوتهم و نخيلهم و قبور موتاهم و تراثهم التاريخي كله.
و لهذا تكاد رواية الشمندوره أن تكون وثيقه أدبيه حيه تسعي لتسجيل هويه مجتمعيه و تاريخيه و قيمه ثقافيه ذات طابع خاص قبل أن تجرفها مياه النيل و مياه الطغيان السياسي،أو مياه التاريخ الذي يكتبه في العاده كتاب الحكام و السلاطين.إنها بطابعها التسجيلي و الأدبي تحاول ان تتحدي عوامل التعريه الجغرافيه و التاريخيه و الثقافيه.إنها "الأنـــا الـجــمـاعـيــه" التي تسعي إلي تأكيد ذاتها و وجودها الخاص في مواجهة محاولات التجاهل أو عوامل النسيان.
و هذا مايعطي للروايه طابعا ملحمياُ إلي جانب طابعها التسجيلي الواقعي الطبيعي.و لهذا فإن الجانب الأكبر من هذه الروايه ليس له إمتداد طولي،بل ليس له زمن محدد ينمو و يتطور برغم إن الروايه تكثر من تحديد زمنها و تؤرخ لأحداثها،علي ان هذا هو زمن التاريخ الخارجي الذي تتنفس الروايه و تتحرك في إطاره،و هو أوائل الثلاثيناتو لكن الروايه في الجانب الأكبر منها ليس لها زمن تاريخي ممتدر متطور.فبرغم تعدد فصولها و تتاليها و تنوع موضوعاتها فإنها لاتتحرك إلي العمق.تدور بنا في أنحاء الحياه الجماعيه لأهالي هذه القريه النوبيه تحديداُ لملامحهم و جوانب حياتهم المختلفه.إنها كدوامات نهر النيل و شمندورته لاتتوقف عن الحركه و لكنها حركه مترواحه في مكانه.
و عندما تكتمل رؤيتنا و معرفتنا بهذه الحياه نكون قد بلغنا مشارف المحنه،محنة الطوفان الذي كنا نستمع إلي أصداء و همسات عنه طوال هذه الفصول التسجيليه الأولي. وهنا تبدأ الروايه مرحله من حياتها و حياة أهل هذه القريه،هي مرحلة التصدي لهذا الطوفان الذي يسعي لإلتهام المكان والزمان و التاريخ و الناس.
برغم ان الروايه في بنيتها الشكليه الخارجيه تنقسم إلي فصول صغيره نسبياُ مرقمه من الفصل الأول إلي الفصل السابع و الخمسين،إلا أننا نستطيع أن نتبين تقسيماُ ثنائيل للروايه هو الذي يشكل البنيه الحقيقيه للروايه_فالروايه تنقسم إلي قسم أول هو مايمكن ان نسميه بالقسم التسجيلي لوقائع حياة هذه القريه و هو القسم الذي يحددها و يجسدها و يرسم تضاريسها المكانيه و الإنسانيه و القيميه و الثقافيه و اللغويه و الحياتيه عامة كهويه ذات خصوصيه مجتمعيه و تاريخيه و هو تسجيل يتضمن أحينا إشارات إلي اشخاص حقيقين و يكاد يقدم نموذجاُ للقريه النوبيه عامة و إن وقف عند حدود قرية بعينها هي قرية "قــتــه" كما ذكرناها.
أما القسم الثاني من الروايه الذي يبدأ في تقديري حول الفصل الحامس و العشرين اي منتصف الروايه تقريبا فتنتقل به الروايه أو هذه القريه النوبيه من حياتها المنتظكه الرتيبه المطرده بكل مافيها من مباهج و أحزان و توترات عاطفيه و أزمات صغيره و علاقات حياتيهو عائليه تجمعها رابطه ملتحمه حميمه رغم تعدد تنوع اشخاصها و عناصرها تنتقل الي حاله من الاحساس بالخطر و بضرورة التهيؤ و الإستعداد لمقاومة و مواجهة هذا الوحش المائي القادم لابتلاع كل شئ.و ينتهي هذا القسم بالهجره الي الضفه الأخري من النهر الأكثر إرتفاعاُ في ظل شروط و أوضاع جديده. و يغلب علي هذا الجزء الثاني طابع التغير و التطور و الصراع و التمرد و الحركه و المقاومه و كتابة عرائض الاحتجاج و رفض قرارات التعويض عن الخسائر مع تفاقم المعاناه علي ان ما يجمع بين القسمين:القسم الأول التسجيلي الذي يصور مجري الحياه اليوميه الرتيبه العاديه و القسم الثاني الذي يعبر عن مواجهة الطوفان والصراع والهجره،هو الاحساس الدائم بالعزله و الإضطهاد و المعاناه و الإستغلال بسبب اساليب القمه و القهر و الاهمال التي تمارسها عليه السلطه المركزيه في القاهره فضلا عن الاحساس بالدونيه بسبب الاختلاف في اللون الذي يكاد يترجم إلي تفاوت عرقي طبقي و هذا مايضفي علي الروايه طابعا سياسيا تاريخيا من ناحيه فهي تؤرخ لمرحله أوائل الثلاثينات في مصر أثناء حكم صدقي باشا الطاغيه الذي لم تنقطع مقاومته علي مستوي الشعب المصري عامة،كما يضفي علي الروايه كذلك طابعا اجتماعيا طبقيا عرقيا يتمثل فيما يواجهه النوبين من امتهان و دونيه و إهمال سواء في حياتهم أو في طبيعة الأعمال المتاحه لهم أو حدود التعليم الميسر لأبنائهم و هذا مايجعل القضيه النوبيه في الورايه جزءا من القضيه المصريه عامه في جانبيها الوطني و الديمقراطي.
و لهذا فرواية الشمندوره لاتقتصر علي تسجيل ملامح الهويه النوبيه في مواجهة محنة طمسها و إذابتها و إزالتها بهذه التعليه الثانيه لخزان أسوان و إنما تتضمن كذلك إبراز المعدن الإنساني الأصيل لهذه الهويه النوبيه في إطار المواطنه المصريه و تأكي ماتتسم به هذه الهويه من خصوصيه ذاتيه و شموخ و كبرياء و كرامه و إقتدار علي المقاومه دفاعا عن حق الحياه و المعرفه .
و قد تكون الشمندوره_عنوان الروايه_ و التي جاء ذكرها في أكثر من موضع _مزا لحياة أهالي النوبه لافي حركتهم بنية حياتهم الثابته المستقره في الوقت نفسه فحسب و إنما كذلك في نضالهم و مقاومتهم لما يعانونه من قمع و قهر و مايحتدم في نفوسهم من إرادة للتحرر و لهذا كانت أخر فقره أختتمت بها الروايه رحلتها الطويله_ علي لسان راويها"ثم حانت مني التفاته جانبيه إلي الشمندوره فوجدتها ترتطم إرتطاما شديدا بالسلسله ثم تشدها الي القاع ترتطم ثم تهدأ لتعاود النضال من جديد" علي ان الشمندوره هذه في مرحله من مراحل الروايه تخلصت من قيد السلسله التي تشدها إلي قاع النهر و اندفعت الي الشمال و عامت في النيل أسبوعا كاملا من الحريه ثم أعادوها بسلسله إلي مكانها المعهود يشدونها إلي قاع اليم"ص441 الشمندوره ـــ طبعة أدب و نقد ـــ 1994" و قد توافق هذا الامرالخاص بالشمندوره في الروايه توافقا رمزيا مع فترة قبول حامد الراوي الطفل في السنه الاولي من المدرسه الإبتدائيه عنيبه ثم طرده منها لإكتشاف الوزاره إنه يتجاوز العاشره من عمره! و ليست الفقره الختاميه في الروايه التي اشرنا إليها إلا تعبيراُ رمزيا أخيرا للروايه عن تحرر الشمندوره من جديد متمثله تمثلا رمزيا في شخصية الراوي و هو ينطلق من جديد في نهاية الروايه عائدا الي مدرسته بعد طرده منها.فلقد إستجابت الوزاره لعريضت احتجاج علي طرده و عاد الي المدرسه و لم تكن هذه العوده أخيرا إلي المدرسه إلا تعبيرا رمزيا كذلك في نهاية الروايه عن طريق تحرر "شمندوره-أهالي" النوبه من معوقات حياتهم:إن الطريق هو المقاومه من اجل الحقوق ثم التعليم.بل يكاد التعليم ان يكون طريق الخلاص الحاسم من العزله و الجمود و الامتهان و الاحساس بالدونيه و تكاد هذه الكلمخ الركزيه الاخيره للروايه ان تكون رسالتها كذلك و لكن الملاحظ ان هذه الرساله او هذه الكلمه تتحقق علي نحو فردي بما قد يعني ان الخلاص يتحقق بالخروج من المجتمع الصغير مجتمع القريه الملتحم الحميم الضيق و الاندماج فرديا في المجتمع القومي الكبير.فهل هذا ماتريد ان توحي به الروايه في نهايتها رغم انها تبدا سطورها الأولي بل يسود صفحاتها جميعا الطابع الجماعي الخاص"نـــحـــن" الجماعيه و ليس "الأنـــا" الراوي الفردي؟!
هكذا تبدأ الروايه"كل شئ في هذا الإطار هادئ ساكن" فأشجارالنخيل لاتهتز أعطافها و النيل رقد تحت أقدامنا هامدا لايتحرك،إننا نتشبث بمواقع أقدامنا علي الجرف ،لانريد ان نعترف بالرعده التي تسري في مفاصلنا خوفا من النيل و السكون الذي يلفنا،و نحن في حقيقة الأمر لا نفعل شيئا غير التأمل في النيل و تحديق البصر طويلا، مضينا نغالب الخوف و ننتقل من قدم إلي أخري و كانت الباخره تواصل سيرها و تتجاوزنا،لماذا لاتربط الباخره عندنا أبدا!إبتعدت دون ان يأبه بنا أحد و لبثنا لحظه و الغيظ يأكل قلوبنا".
و تكاد هذه الجمل التي التقتطها من بعض الفقرات الأولي في مدخل الروايه أن تقدم صوره تمهيديه للروايه كلها ،بهذا السكون السائد و هذا الإحساس بالخوف من النيل و هذا الإحساس بالعزله عن العالم،عدم إهتمام العالم بنا و تجاهله لنا.ثم لايلبث ان ينبثق "الأنــا" الراوي من هذه "الـنـــحــن" الجماعيه الشامله."و أخذت أنا اشق الطريق الطويل الذي يفصل بين صفوف طويله متراصه من النخل بشكل غابه كثيفه لاتري العين من خلالها إلا أنوارا هامسه تنبعث من بيوتنا هناك عند السفح"ص49 و هكذا نأخذ في التحرك مع "الأنــا" الراوي في الطريق الطويل للروايه و تصاحبه إلي مختلف البيوت.
علي إنه برغم أن "الأنـــا"الراوي هو الذي تتحرك من خلال عيونه إلي مختلف جوانب القريه،في زمن الروايه و الذي من خلاله نلتقي بمختلف رجالها و نسائها و أطفالها و نستمع إلي أحاديثهم و نشارك ف مباهجهم و أحزانهم و خلافاتهم و مشاجراتهم و تطلعاتهم و مخاوفهم،إلا إنه_كما ذكرت في البدايه_ سرعان مايختفي هذا الأنا الراوي الطفل ويحل محله يروي لامن زمن الروايه و إنها من زمن كتابتها "لم يكن في مقدوري حينذاك ان أصدق ان هناك من يستطيعون العيش في بقاع لايسيل في نجوعها(ص222) بل تواصل القريه أحيانا رواية احداثها و احاديثها في غيبة الراوي_تماما بل اننا في كثير من الاحيان نغوص في حضور الراوي او غيابه_داخل شخصيات الروايه،نستمع الي حواراتهم الباطنيه الصامته نحلل مشاعرهم الدفينه التي لايصرحون بها بل إننا ننتقل احيانا من لحظه او علاقه او حدث في غيبة الراوي تماما الي استكمال رؤيه هذه اللحظه أو مواصلة هذه العلاقه او هذا الحديث في حضوره و لكن في استقلال عنه.بل اكثر مايجري الحديث علي لسان عناصر الطبيعه نفسها و خاصة أشجار النخيل مما يضفي علي الروايه رفيفا شعريا بل أحيانا يشارك النخيل في تقديم بعض معلومات عن القريه.مثلا نقرأ في ص114"هذه نخله سامقه،حانيه علي النيل،قمتها منقوشه اصفرت نهايات شواشيها،تهتز مع النسيم و تحتضن ثمارها في حنان،تنحني قليلا ثم تهمس لجارتها:
ـــ أتعرفين ياصغيره كم بلغت من العمر؟
ـــ كم ياجدتي؟عشرين سنه؟
ـــ عدي علي أصابعك،إستراح المماليك تحتي منذ...
ـــ مماليك؟!
ـــ نعم مماليك،ألاتعرفينهم؟هربوا من مذبحه و مروا من هنا و رحل بعضهم و بقي آخرون.
و تفسير ذلك في تقديري __ هو التداخل بين الراوي الطفل و هذا الراوي الطفل نفسه و قد كبر و أصبح كاتبا يستعيد ذكرياته بصريا و تفسيريا.
إنه التداخل بين الروايه المباشره التي يقوم بها الطفل و الروايه التفسيريه الشامله التي يستكملها الكاتب المؤلف.إن الكاتب المؤلف محمد خليل قاسم يكتب من زاويتين،من زاويه عيون طفولته التي تشارك في الاحداث و من زاويه ذاكرته التي تقدم الصوره الشامله للأحداث. و قد يكشف الكاتب نفسه أحيانا كما رأينا فينسي حاضر زمنه فيرويها من زمن كتابتها و لهذا فهو يرويها بالفعل الماضي لابالفعل الحاضر المضارع الذي يسود سرد الروايه.علي ان الروايه لايتم التعبير عنها كما أشرنا من قبل هاتين الزاويتين فحسب بل من زوايا أخري مختلفه،هي زوايا بعض شخصيات الروايه أو زاوية"نـــحـــن" الجماعيه او الزاويه التي تصدر عن احاديث النخيل و لعل هذا التعدد في زوايا السرد في الروايه اي في أصواتها مما يعمق الطابع التسجيلي الشامل للروايه و يضفي عليها كذلك طابعا غنائيا شعريا ملحميا بل يكاد يضفي عليها طابعا سحريا تتداخل فيه اصوات الاحياء و الاشياء في وحده حيويه هي سمه المجتمعات المغلقه و البدائيه عامة و هذا ماعبرت عن الروايه تعبيرا فنيا فريدا.
ستم إستكمال الجزء الثاني من المقاله في البوست القادم